حمل عائدون من طهران في الساعات الأخيرة كثيراً من الروايات الإستثنائية التي لا تشبه مظاهر «حرب السفارات» مع الرياض وحلفائها من العواصم الإسلامية عقب الاعتداء على السفارة السعودية في العاصمة الايرانية وقنصليتها في مدينة «مشهد» إثر تنفيذ حكم الإعدام برجل الدين الشيعي السعودي نمر باقر النمر. فما هي هذه الروايات وماذا تحمل من مفاجآت؟
على وقع الضجيج الإعلامي والدبلوماسي الممتد من بيروت الى طهران وما بينهما من الدول والمدن الشيعية التي تدور في فلكها الذي رافق الإعلان عن تنفيذ حكم الاعدام بالنمر وردات الفعل التي تلته، تواصَل نزوح الطواقم الديبلوماسية والقنصلية من طهران والمدن الأخرى الى بلدانهم في مجموعة دول مجلس التعاون الخليجي والسودان والصومال وبالعكس.
وزاد في الطين بلة أن يأتي الإعتداء على المقار الديبلوماسية والقنصلية السعودية والإماراتية في عدد من المدن الإيرانية ليرفع من منسوب الرفض لهذه الممارسات التي عدّت خروجاً على كل الاتفاقات والمواثيق الأممية التي توفر الحصانة لها بعد بيان مجلس الأمن الدولي الذي توّج موجة الإدانة الدولية.
وعلى رغم هذه التطورات المتسارعة التي وضعت العلاقات الديبلوماسية بين إيران وجاراتها الخليجية في مأزق هو الأخطر في تاريخ العلاقات في ما بينها منذ قيام الجمهورية الإسلامية قبل 35 عاماً، تبدو طهران غارقة في بحر من التناقضات الداخلية بين مجموعة من المعتدلين يقودها رئيس الجمهورية الشيخ حسن روحاني ومعه وزير الخارجية محمد جواد ظريف وفريق المفاوضات مع الغرب من جهة، وآخرون من قادة الحرس الثوري الإيراني وبعض القيادات المحافظة الموجودة في عدد من مفاصل الدولة الحكومية والدينية.
وعلى هذه الخلفيات عكست أعمال الشغب التي تلت إعدام النمر حجم التناقض الكبير بين فريق المعتدلين الذين يتباهون بما حققته المفاوضات حول الملف النووي مع مجموعة الدول الخمسة زائداً واحداً في 14 تموز الماضي قبل ان تكرّسه الأمم المتحدة بقراراتها ذات الصلة من جهة، وبين المحافظين الذين ما فتئوا يتحدثون عن حجم «التنازلات» الإيرانية والقبول بما يكبّل دولتهم في مسيرتها النووية وصولاً الى اعتبار انّ التفاهم وضع حداً للطموحات الإيرانية ورسم خريطة طريق تكبّلها للعقود المقبلة.
والى هذه الصورة المعلنة ممّا تشهده طهران من ردات فعل، يكشف زوّارها صورة عن وجه آخر للإجراءات الإيرانية التي بدأتها الحكومة سعياً الى ترميم ما حصل واستيعاب ردات الفعل الإقليمية والدولية على ما رافق أعمال الشغب فيها، والتأكيد أنّ الحكومة تمسك بزمام الأمور في مواجهة مجموعات قادت شغباً مرفوضاً بكل مظاهره.
فالدولة التي تسعى الى تغيير صورتها امام العالم مع بدء فك العقوبات المفروضة عليها منذ عقدين ونيف كانت تمهّد لدخول البلاد الى عصر جديد يقودها الى موقع متقدم على المسرح الدولي في كل المجالات التجارية والإقتصادية والنفطية والمالية والعودة الى المنتديات الدولية وجلب الاستثمارات التي بدأت طلائعها مع كثافة الوفود الأوروبية وأخرى من مختلف دول العالم في اتجاه طهران.
ويضيف زوّار طهران انّ التحرك السريع الذي قاده الرئيس الإيراني وتَمثّل بتوجيهاته لوزراء الداخلية والعدل والأمن في حكومته لتوقيف عشرات الشبان الإيرانيين من مثيري أعمال الشغب ضد السفارات والقنصليات الخليجية وباتوا رهن التحقيق لدى الأجهزة الأمنية والقضائية.
وفي هذه الأجواء، يتحدث زوّار طهران عن رسالة رئاسية ايرانية وصلت الى الرياض تدعو سلطاتها الى المشاركة في التحقيقات الجارية مع الموقوفين والإطلاع على نتائجها إذا رغبت بذلك. فضلاً عن رسالة أخرى بُعِث بها عبر إحدى العواصم الخليجية التي شكلت في الماضي القريب وسيط خير بين البلدين لتلعب دورها في التهدئة واستيعاب أزمة نشأت في أسوأ توقيت بغية إحياء الحوار بين الرياض وطهران اللتين كانتا على وشك إحياء العلاقات الديبلوماسية بينهما بعد تعيين السفير السعودي الجديد في طهران علي حسين جعفر وهو القادم اليها من موقعه كعميد للسلك الديبلوماسي العربي في موسكو، في مهمة وصفت بأنها لإعادة بناء جسور الثقة بين البلدين، وقد جاءت كل هذه التطورات المأسوية قبل ايام على التحاقه بمقر عمله الجديد لبناء ما تأخر بناؤه بين الدولتين من نقطة الصفر.
والى هذه المعلومات التي ستظهر مدى جديتها وصدقيتها في الأيام القليلة المقبلة، يعبّر زوّار طهران عن عدم استغرابهم لردات فعل دول مجلس التعاون الخليجي بوقوفهم الى جانب جارتهم الكبرى السعودية ورأوا فيها ما يحاكي منطق الأمور، لكنها استغربت موقف السودان الذي عاش نظامه خلال السنوات الـ15 الأخيرة على برنامج المعونات الإيرانية لمواجهة الضغوط الدولية التي تعرّض لها. وينظر هؤلاء بعين التفاؤل الى أنّ ما يجري هو موجة عابرة ستنحسر قريباً. فهل ستصحّ رؤيتهم الإيجابية لمجرى التطورات؟