IMLebanon

حلفاء إيران يتريَّثون لشهرين

 

 

أصابت الضربة إيران في اللحظة الأكثر إحراجاً. فالإيرانيون منخرطون في حرب شرسة مع إسرائيل، في غزة وجنوب لبنان، ويفاوضون الولايات المتحدة، ويواجهون التحدّيات في اليمن وسوريا والعراق. فكيف ستتعاطى طهران مع كل هذه الاستحقاقات في فترة انشغالها بشؤونها الداخلية، أي ريثما تكون قد أنجزت انتخاباتها الرئاسية واستعادت الانتظام الروتيني في ماكينة الحكم؟

يمكن القول إنّ الشرق الأوسط يعيش حالياً وقتاً مستقطعاً بين الجولة الإسرائيلية والأخرى على جبهتي رفح وجنوب لبنان. وفيما يخوض حلفاء طهران مواجهات متعبة على الجبهتين، سينصرف الإيرانيون إلى شأنهم الداخلي الطارئ، إذ عليهم ترميم آلية الحكم التي حدثت فيها ثغرة، بغياب الرئيس ابراهيم رئيسي ووزير الخارجية حسين أمير عبداللهيان.

 

ومع أنّ كل شيء ممسوك في طهران، ولا يُتوقع حدوث مفاجأة هناك، فمن البديهي أن يتراجع الاهتمام بالمسائل الخارجية الساخنة مرحلياً ونسبياً، وأن يعتمد الإيرانيون سياسة التجميد والتريث، لفترة يرجح أن تدوم قرابة شهرين أو ثلاثة.

 

ولكن، كيف سيتعاطى خصوم إيران، وتحديداً إسرائيل والولايات المتحدة، معها في هذه المرحلة؟ وهل ستناسبهم سياسة التجميد الإيرانية أم إنّهم سيحاولون استثمار الضربة التي أصابت إيران وانشغال الإيرانيين بشؤونهم الداخلية لتحقيق المكاسب؟

 

في ما يتعلق بالولايات المتحدة، لا يبدو أنّ إدارة الرئيس جو بايدن في صدد استغلال الضربة التي تلقّتها إيران. فواشنطن أيضاً منشغلة بالتحضير للانتخابات الرئاسية بعد أشهر قليلة. كما أنّ سياسة بايدن أساساً تقضي بمحاولة احتواء إيران لا مواجهتها. ولذلك، هو فتح خطوط اتصال غير مكشوفة معها، ولكنها شبه دائمة، أبرزها تلك الجارية في مسقط. فالأميركيون يجدون أنّ من شأن هذه السياسة أن تفرمل انجراف طهران شرقاً. وفي المقابل، يستفيد الإيرانيون من هذه السياسة لتنفيس الحصار المضروب عليهم ورفع العقوبات، وإتاحة الفرصة لهم كي يواصلوا بناء قدراتهم النووية بهدوء، ما دام اتفاق فيينا 2015 قد تعرّض للتعطيل من الجانب الأميركي خلال ولاية دونالد ترامب.

 

لكن النظرة الأميركية الانفتاحية والهادئة للتعاطي مع إيران تتناقض وتوجّهات بنيامين نتنياهو. فهو يعتقد أنّ الخيار الأفضل لإسرائيل هو أن تحصل على تغطية دولية لضرب طهران عسكرياً، ما يؤدي إلى إضعاف نظامها وتحجيم تدخّلاته الإقليمية. وقد ازداد إلحاح نتنياهو على ضرب إيران بعدما تجرأت قبل أسابيع ووجّهت صواريخها ومسيّراتها إلى الداخل الإسرائيلي، في سابقة تاريخية. فهذه الضربة، وإن أرادها الإيرانيون أقرب إلى تسجيل الموقف، كسرت معنوياً حرمة التعرّض للعمق الإسرائيلي بالصواريخ. كما أنّها يمكن أن تتكرّر في أي يوم بشكل جدّي وعنيف. وهذا ما يعتبره الإسرائيليون تهديداً حقيقياً لهم.

 

ولكن، حالياً، المواجهة التي تخوضها إسرائيل مع إيران تتمّ بالواسطة من خلال حلفائها. ففي غزة، يمضي نتنياهو في خطته لقضم رفح رقعةً تلو أخرى، محاولاً القضاء على «حماس»، وتالياً السيطرة تماماً على القطاع. وهو يعتمد هذا الأسلوب بناءً على طلب واشنطن، في مسعى إلى تقليص حجم الخسائر البشرية.

 

وأما في جنوب لبنان، فالجبهة قائمة أساساً على الاستنزاف، لأنّ هدف «حزب الله» المعلن هو مشاغلة الجيش الإسرائيلي عن حرب غزة. ووتيرة الاستنزاف يمكن أن تصمد طويلاً، إذا لم يلجأ الإسرائيليون إلى خيار جديد مفاجئ في الجنوب.

 

لكن مردود سياسة التريث الإيرانية، خلال هذه المرحلة، سيكون ثقيلاً على لبنان، لأنّها ستعني تأجيل التسويات المحتملة، علماً أنّ حظوظ هذه التسويات كان ضعيفاً، على رغم الضغوط التي يمارسها أركان اللجنة الخماسية، وإصرارهم على تحقيق خرق قريب، على الأقل في ملف الانتخابات الرئاسية.

 

في الأساس، كان الإيرانيون يشعرون بأنّهم أقوياء في لبنان. ولذلك، لم يكونوا مستعدين لتقديم تنازلات، لا في الجنوب ولا في الملف السياسي الداخلي، وتحديداً رئاسة الجمهورية، لأن أحداً لا يستطيع انتزاع هذه التنازلات منهم ما لم يدفع ثمنها. واليوم، لا وقت لديهم للمفاوضة حول شؤون تفصيلية في لبنان، فيما يراجعون حساباتهم على مستوى أوسع. وثمة من يعتقد أنّهم سيفضّلون تأجيل الحسم في لبنان شهوراً أخرى. وفي أي حال، هم لن يفكّوا الارتباط بين لبنان وغزة. وسينتظر الحلفاء استيعاب الصدمة التي أصيبت بها طهران قبل أن يستعيدوا دينامية الهجوم.

 

وبناءً على هذا التصور، يمكن القول إنّ الأشهر القليلة المقبلة ستشهد في آن معاً حروباً متقطعة يريدها نتنياهو ومفاوضات متقطعة يريدها بايدن. ولكن، لا الحروب ستوصل إلى الحسم قريباً ولا المفاوضات ستقود إلى التسويات. وإنما، في فترة الانتظار التي لا يمكن تقديرها، ستكون الخسائر الفلسطينية مريعة في غزة، على رغم كل الكلام على «تقليص عدد الضحايا». وكذلك، ستكون الخسائر اللبنانية اليومية هائلة في الجنوب، بما في ذلك خسائر «حزب الله» بالكوادر الذين تستهدفهم إسرائيل في شكل منهجي، وخسائر الاقتصاد التي تقدّر بمليارات الدولارات حتى اليوم.