فتح غياب الرئيس الايراني ووزير خارجيته عن المشهد السياسي الاقليمي، الباب واسعا امام عملية خلط اوراق، تمتد من طهران ولا تنتهي في بيروت، على وقع التحليلات والتنظيرات التي بلغت حد التضارب، بين القضاء والقدر والمؤامرة، حيث يستند منظرو كل من المحورين الى سلسلة من المعطيات.
فلبنان الغارق في حداده الرسمي للثلاثة ايام، على وقع “كلاسيكية” الفتنة التي تطل برأسها من شاحنات “السلاح التركي” الى استهداف بيت “الكتائب”، تكشف مصادر ديبلوماسية انه دخل غرفة العناية الدولية، اذ جمدت المبادرات على انواعها، أقله الى ما بعد اتضاح المشهد الرئاسي الايراني، وما سينتج عنه من توازنات جديدة، فضلا عن معرفة شخصية وزير الخارجية الجديد، والاهم بيان من سيتسلم قيادة المحور السياسية والعسكرية، بعد سقوط قادة الجناح العسكري باغتيال محمد رضا زاهدي ونائبه محمد هادي حاجي رحيمي في غارة القنصلية في دمشق، ومقتل حسين عبد اللهيان في تحطم المروحية، وريث قاسم سليماني السياسي.
وعليه رأت المصادر، ان الحركة الرئاسية باتت بلا بركة، الى حين استنفاد مهلة الخمسين يوما الايرانية، حيث سيسود الجمود والترقب رغم استمرار الاتصالات الشكلية، اذ ان كل المؤشرات تنبىء بان لا حلول قريبة للفراغ الساكن في قصر بعبدا، حيث لعبة الوقت ليست لصالح لبنان واللبنانيين راهنا، خصوصا في ظل دخول المنطقة “عين العاصفة الايرانية” وانعكاسها على مجموعات المحور من جهة، والتطورات الحاصلة على صعيد الملف الاسرائيلي- الفلسطيني، ومسار الاوضاع على الحدود اللبنانية الجنوبية وامكانية انفجارها في اي لحظة من جهة اخرى، بعد “حقنة دعم” الجنائية الدولية لنتانياهو.
وتتابع المصادر بان هذا المشهد، يعزز من حظوظ محاولات نسف اي اتفاق داخلي او اقليمي، من زاوية ان الوضع اللبناني هو ركن اساسي في اي تسوية قد تبرم في المنطقة، نظرا لوجود احزاب وتيارات تتداخل ولاءاتها بين المحلي والاقليمي، ولا بد من ضبطها ومعالجة اوضاعها منعاً لاستخدامها في بازارات المفاوضات وضغوطاتها.
في كل الأحوال، بيت قصيد القصة كلها، هو في التوقيت والظروف التي تسود المنطقة، وأدوار كل من الرئيس الإيراني ووزير خارجيته، وهو ما تسبب بطرح علامات الاستفهام، حيث وضع البعض ما حصل في إطار سلسلة بدأت مع تصفية قائد فيلق القدس هدفها تغيير وجه المنطقة، وتحجيم الدور الإيراني في دولها.
وفي هذا الإطار، يستند أصحاب هذه النظرية إلى أن لا شيء يحصل صدفة في الشرق الأوسط، فالرئيس إبراهيم رئيسي عرف عنه دوره في “دوزنة” اللعبة بين المعارضة والحرس الثوري، كما أنه يميل مع حكومته إلى الإنفتاح على الخارج، كما حصل مع السعودية وغيرها. أما بالنسبة لوزير الخارجية الإيرانية أمير حسين عبد اللهيان، فقد ذكرت التقارير الأميركية، بأن الأخير ورث دور قاسم سليماني السياسي في دول المحور، وهو ما جعله هدفاً للمتابعة الدقيقة من الغرب، ومحط أنظار أجهزة مخابراته.
بالتأكيد، بحسب خبراء في الامن، لا يختلف اثنان على أن “جسم تل ابيب لبيس” و”كل شي ممكن معها”، إلا أنه في المقابل لا بد من الاعتراف والتسليم أيضاً بمشيئة القضاء والقدر، ذلك أن أسطول مروحيات “الدولة النووية والصاروخية” “أكل الدهر عليه وشرب”، إذ هو بغالبيته من أنواع “مي ٨” و”مي ١٧١” الروسيتين، و”أوغوستا بيل” الأميركية – الإيطالية، وهي النماذج التي اعتاد الرئيس الإيراني استخدامها في تنقلاته.
وفقاً لما هو معروف، فإن صيانة هذه المروحيات وقطع غيارها هي من إنتاج إيراني محلي، أي “تقليد مش أصلي”، في ظل الحظر الموجود على طهران.ووفقاً لخبراء، للطوافات عمر افتراضي يبدأ مع نهايته تآكل هيكلها رغم الصيانة الميكانيكية، نتيجة عوامل الطقس والحرارة والضغط وغيرها، ما يتسبب بتفسخات في الهيكل غير مرئية بالعين المجردة، وتجعلها عاجزة عن تحمل أي صدمات، وهو ما يمكن أن يكون قد حدث مع اصطدام المروحية نتيجة خطأ بشري بجسم صلب ، ما أدى إلى فقدان السيطرة عليها وتحطمها، وهي حوادث حصلت في الكثير من البلدان ومنها في لبنان.
عليه، تبقى النتائج السياسية لما حصل أيا كان سببه هي الأساس، خصوصاً أن إدارة ولي الفقيه تتجه إلى اعتماد منحا أكثر تشددا، عبرت عنه التعيينات الظرفية في المركزين الشاغرين، وهو ما سيكون له تداعيات كبيرة على المنحى العام للأحداث في المنطقة.