اغتيال سليماني يضع المنطقة على سكّة مواجهة عسكرية إيرانية – أميركية
مخاوف من ارتداد أي عمل عسكري في المنطقة سلباً على عملية تأليف الحكومة
دخلت المنطقة برمتها دائرة حبس الأنفاس ووضع اليد على القلب في ضوء عملية الاغتيال التي نفذها الجيش الأميركي وأودت باللواء قاسم سليماني قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني ومعه أبو مهدي المهندس نائب رئيس الحشد الشعبي العراقي، خصوصاً وان هذه العملية جاءت في الوقت الذي بلغ فيه منسوب التوتر بين طهران وواشنطن منسوباً عالياً في الآونة الأخيرة.
من الطبيعي، وفي ضوء المنعطف الجديد في الصراع الأميركي – الإيراني، ان تُطرح جملة من الأسئلة والتحليلات حول الاتجاهات التي يُمكن ان تسلكها المنطقة، خصوصاً لجهة ما إذا كانت الجمهورية الاسلامية سترد على الضربة الأميركية الموجعة أم انه سيكون هناك من مجال للدبلوماسية الدولية ان تلعب دوراً ما للتخفيف من حدة ما آلت إليه الأمور بين الجانبين.
المعطيات المتوافرة حتى اللحظة تؤكد بأن المنطقة باتت على سكة مواجهة عسكرية، ولكن غير المعلوم هو حجم المواجهة، وهل ستكون واسعة أم محدودة، وهل ستكون اميركية – إيرانية، أم تتدخل فيها أطراف أخرى؟
من الصعب التكهن بما ستؤول إليه الأمور في الأيام القادمة لجهة تحديد حجم الرد الإيراني الذي بات واقعاً لا محال، سيما وان عشرات آلاف البيارق الحمراء رفعت في أنحاء عدّة من إيران وهي بيارق عادة ما ترفع طلباً للانتقام أو الثأر، وهذا المشهد يضع المسؤولين في إيران امام أخذ خيار واحد وهو المواجهة، وهذه المواجهة وماهيتها تحددها القيادة مع قابل الأيام حيث انه يعرف عن الإيرانيين برودة اعصابهم وعدم التسرع في اتخاذ القرار.
في هذا السياق، يُؤكّد مصدر وزاري سابق على اطلاع وافٍ بمجريات الأوضاع في المنطقة، ان لا مجال للحديث عن أية تسوية بين الجانبين الإيراني والاميركي قبل حصول عمل عسكري ما على خلفية عملية الاغتيال التي حصلت في العراق خصوصاً وان الشخصية التي استهدفها الاغتيال هي شخصية استثنائية لدى القيادة الإيرانية من أعلى الهرم، وهو مرشد الثورة، إلى القاعدة الشعبية التي عبّرت عن غضبها لاستشهاده بالنزول بمئات الآلاف إلى شوارع إيران مطالبة بالثأر له.
وفي تقديره ان الاتصالات الدولية التي لم تشهد المنطقة منذ سنوات طويلة مثيلاً لها تركز على ضبط الانفجار وليس منعه، باعتباره بات واقعاً حتماً، خصوصاً انه إذا كانت قضية اغتيال اللواء سليماني تعني الولايات المتحدة الإيرانية وحدها، فإن انسحاب إيران بالكامل من الاتفاق النووي يعني العالم كلّه وخاصة الحلف الأطلسي، وبالتالي فإن أوروبا التي كان يفترض بها ان تقف مع إيران ضد العملية الأميركية باتت اليوم محرجة في ضوء القرار الإيراني النووي.
وإذ يرسم المصدر نفسه صورة سوداوية لما ستكون عليه منطقة الشرق الأوسط مع الأيام أو الأسابيع المقبلة، فإنه يرى ان استحداث أميركا لمطار لقواتها في عين أسد في منطقة الانبار، ونقل البريطانيين لجزء من قواتهم إلى خارج بغداد، إضافة إلى إعلان الحلف الأطلسي سحب بعض قواته من العراق هو إعادة تمركز وليس انسحاباً، وإعادة التمركز هذه تعني الاستعداد لتطورات عسكرية محتملة لأن المواجهة التي ستحصل لن تكون مواجهة برية بل في البحر والجو، وهي ربما لن تكون محصورة في منطقة محدودة. والدلالة الواضحة على هذا التكهن هي الزيارة المفاجئة التي قام بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى دمشق ولقائه على عجل الرئيس السوري بشار الأسد، هذا إضافة إلى الحراك الذي قام به عدد من قادة محور المقاومة خلال وجودهم في إيران بهدف التعزية بسليماني حيث تطرق الحديث حتماً بين هؤلاء والمسؤولين الإيرانيين إلى الخطوات التي ستقوم بها طهران بعد الرد على عملية اغتيال سليماني ورفاقه، وقد تبلغ هؤلاء بشكل حاسم ان أمن الولايات المتحدة أصبح مهدداً في المنطقة وهي من الصعب عليها ان تفلت من تداعيات الجريمة التي اقترفها الرئيس ترامب شخصياً.
ويلفت المصدر النظر إلى ان ترامب الذي يعيش هاجس المحاكمة لاقالته لم يعد في مقدوره خوض معركة تتمحور حول الاقتصاد الأميركي والسياسة الداخلية، وأن اهتمامه يتركز اليوم على الأمن والخارج, وفي هذا الإطار كان استهدافه اللواء سليماني لأنه كان يريد هدفاً كبيراً ليكون الرد عليه أكبر، وهذا العمل برأيه يجعله يتملص من شبح ملاحقة مجلس النواب الأميركي له، خصوصاً وانه يرفع شعار تحجيم الوجود الإيراني في المشرق من فلسطين إلى لبنان فسوريا والعراق، إضافة إلى قراره الأكثر استراتيجية وهو منع طهران من امتلاك السلاح النووي.
ويعرب المصدر الوزاري السابق عن مخاوفه من تداعيات ما يجري في المنطقة على الواقع اللبناني، وهو لا يستبعد ان يكون أول انعكاس لهذه التداعيات فرملة الاندفاعة الحاصلة في تأليف الحكومة وبالتالي تعطيل التأليف، حيث ان هناك أفرقاء باتت ترغب، في ضوء ما استجد، الانتقال من حكومة التكنوقراط إلى التكنوسياسية وتغليف ذلك بحكومة وحدة وطنية والرئيس المكلف حتماً غير مؤهل لتشكيل مثل هذه الحكومة، وهذا يبعث على الخوف من ان نكون قد دخلنا أزمة حكومية جديدة، وما يؤشر إلى ذلك خروج الرئيس المكلف حسان دياب من قصر بعبدا بعد لقائه الرئيس ميشال عون بخفي حنين بعد ان كانت المعلومات قد تحدثت عن وضعه في جيبه مسودة تشكيلة حكومية.
وفي موازاة التخوف من دخول عملية التأليف في مهب العاصفة التي تضرب المنطقة، فإن المصدر يتخوف أيضاً من ان يطال التوتر الاميركي – الإيراني لبنان، وهاجس الخوف هذا نابع من قيام طرف ما في لبنان بالاعتداء على المصالح الاميركية، مع العلم ان مثل هكذا عمل يتوقع حصوله مبدئياً في العراق لكن ما من أحد يمكنه الجزم بذلك، وانطلاقاً من هذا الخوف كانت الزحمة الدبلوماسية تجاه وزارة الخارجية حيث التقى الوزير جبران باسيل سفراء الولايات المتحدة الأميركية، وبريطانيا، وفرنسا إضافة إلى المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان يان كوبيتش، وقد حمل هؤلاء إلى لبنان تحذيرات من أي تصرف غير مسؤول على حدّ تعبيرهم، وفي المقابل نقلوا إلى بلادهم تأكيدات لبنانية بأن لبنان لن يقبل ان يكون ساحة لتصفية الحسابات وهو يلتزم وسيبقى سياسة النأي بالنفس.