لا حرب إسرائيلية وشيكة على لبنان. بحد أدنى، لا تزال الحرب مستبعدة. التقارير والتحليلات، التي ترجح المواجهة، هي في معظمها آراء «تحليلية» تستند الى آمال مبنية على معاداة المقاومة، أو أنها تعاني ضبابية فهم المعطيات وتشوشها وإن لم تكن معادية.
خبر اللبنانيون منذ الحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان عام 2006، المواقف والتحليلات التي ترد دورياً و«تبشّر» بالحرب الإسرائيلية. هي أعراض «أمنية الحرب» ترد مرتين أو ثلاثاً في العام الواحد، ثم تعود وتهدأ لتعود من جديد. ما يُعرض الآن، واحد من تمظهرات هذه الأعراض.
في الحرب الإسرائيلية، أو أي حرب، أسس ومقومات، ترتبط بالقدرة المادية العسكرية والأهداف والثمن، وترتبط أيضاً بالإمكان الفعلي لتحقيق أهداف الحرب، من دون تغييب الظروف ومجمل الفرص والتهديدات، وتساوقها مع قرار الحرب وخروجه إلى حيز التنفيذ الفعلي، إنْ صدَرَ بعد تَحقُّق مكوناته.
في المكونات (الحرب) ثقوب. ومنها ما يصل إلى حد الفجوات. ثقوب مترسخة على طاولة القرار في تل أبيب، مع تعاظمها واتساعها عبر السنوات. القدرة المادية العسكرية على التدمير ــــ ولو سلّمنا جدلاً بأن هذه القدرة ستكون من جانب واحد ــــ لا يكفي كي تخرج إسرائيل للحرب المقبلة. مقومات الحرب لا ترتبط فقط بالإمكانات العسكرية، وإلا لكانت الحرب نشبت عشرات المرات في السنوات الماضية.
في ذلك، يجب تأكيد الآتي: عندما لا تكون المكونات الضرورية للحرب موجودة، فإن أي معطى كلامي أو «أفعالي» يصدر عن إسرائيل، لا يعني ضرورة التعامل معه كمؤشر لحرب مقبلة. أي مؤشر للحرب في ظل تعذرها، هو دليل إضافي على امتناع نشوبها، ويكفي بذاته ليكون مؤشراً على صرخة قلق العدو، لا على اقتراب حربه.
«الحركات الإعلامية» التهويلية لإسرائيل في اليومين الماضيين مدعاة طمأنة بأن ردع سلاح حزب الله فاعل ومؤثر، ولا يزال قادراً على منع إسرائيل من شن اعتداءات على لبنان. ما حصل في اليومين الماضيين صرخة إسرائيلية ناتجة من قلق، بعد كلام الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، وتأكيده إنجاز القدرة الصاروخية الدقيقة وغير الدقيقة.
على هذه الخلفية و«المهمة المنجزة» في التزود بالصواريخ الدقيقة، المعادلة تتعزز أكثر: ما كان يردع إسرائيل عن مباشرة الحرب قبل السلاح الدقيق، من شأنه أن يمنعها أكثر بعد التزود بهذا النوع من السلاح.
الواضح أيضاً، في سياق الاستهدافات الإسرائيلية، أن الصرخة جاءت لخدمة إرادة التأكيد على الاقتدار ومنع حزب الله من استغلال نتيحة «النكسة» الأخيرة مع الجانب الروسي في سوريا، وما نتج منها من كف يد الاعتداءات، التي يصعب تكهن أين ستصل حدودها النهائية.
لكن، هل يعني ذلك الاطمئنان الكامل رغم الإمكانية الفعلية على ذلك؟ بالطبع لا. مع عدو كإسرائيل، لا يمكن الاطمئنان المطلق ومن المحظور الوقوع بخطأ كهذا. لكنْ ثمة فارق بين اللااطمئنان المؤدي إلى مزيد من الجاهزية واليقظة، وبين جلد الذات والتهويل عليها؛ وإنْ كان مفهوما أن البعض، في لبنان وخارجه، يصدرون المواقف والتحليلات بناءً على أمنية الحرب الإسرائيلية والمطالبة بنشوبها، بعدما تعذرت عليهم.
مع ذلك، حديث الحرب الإسرائيلية حديث قديم جديد لا يعني حصراً أن المتحدث به عدو للمقاومة أو خصم لها. مروحة واسعة من الأسباب التي يمكن تفهمها أو عدم تفهمها، تتعلق بـ«تحليلات» تصدر من غير أعداء حزب الله وخصومه.
مع ذلك كله، الحديث عن الحرب يتساوق أيضاً مع الضغوط غير العسكرية التي تشنها إسرائيل والولايات المتحدة على المقاومة. حديث موجه الى الساحة اللبنانية بمكوناتها، كما إلى البيئة المباشرة للمقاومة وغيرها، في سعي جديد ــــ قديم أيضاً، للضغط على حزب الله ودفعه إلى التموضع الدفاعي والانكفاء عن إسرائيل.