تضاعفت أسعار الاتصالات وخدمات الإنترنت الجديدة بنحو 2.5 مرات في «أوجيرو»، وخمس مرّات في شركتَي الخلوي. هذه هي خلاصة المؤتمر الصحافي الذي عقده أمس وزير الاتصالات جوني القرم. لكن المسألة لا يمكن اختزالها بالكلفة فقط التي ستثقل كاهل المستهلكين بأعباء إضافية فوق كل ما تحمّلوه من تضخّم للأسعار في سنوات الأزمة، بل هي متّصلة بسلوك قوى السلطة في حصر الخيارات لجهة إطفاء كلفة تشغيل القطاع مقابل زيادة الأسعار على حسابهم والتخلّي عن دعم الاستهلاك بعد عقود من الفواتير الباهظة التي تفوق بمعدّلاتها معظم معدّلات الأسعار حول العالم.
الباقات والأسعار
في المبدأ، ستطرح شركتا الخلوي بطاقتين مسبوقتَي الدفع في بداية تموز؛ الأولى سعرها 4.5 دولارات وفيها 500 ميغابايت و10 رسائل نصيّة و10 دقائق للاتصال، والثانية 7 دولارات وفيها 1.75 غيغا بايت و5 رسائل نصّية و5 دقائق للاتصال، على أن التسعير يتمّ على أساس سعر منصّة «صيرفة». أما طريقة تسعير فاتورة الخلوي للخطوط الثابتة، فهي على النحو الآتي: تُقسم قيمة الفاتورة على منصّة صيرفة في اليوم الذي يسبق إصدار الفاتورة.
أما في ما يتعلّق بسعر دقيقة البطاقات المسبقة الدفع، فهي تبلغ 25 سنتاً محسوبة على أساس سعر الدولار 1514 ليرة، لكنها ستصبح 8 سنتات محسوبة على أساس سعر «صيرفة». كذلك الأمر بالنسبة إلى سعر دقيقة الخط الثابت، فإن كلفتها 11 سنتاً محسوبة على سعر 1514 ليرة، وستصبح 3 سنتات وفق سعر «صيرفة». وفي ما يتعلق بالبطاقات المسبقة الدفع الصادرة قبل تموز، فستحافظ على قيمة رصيدها الحالي بالليرة اللبنانية والمحتسب على سعر الصرف الحالي، حتى وإن استخدمت بعد الأول من تموز.
كذلك، جرى تعديل تسعيرة الاتصالات الخلوية اللاحقة الدفع وخدمات الإنترنت المرتبطة بها ليتحمّل المواطن فاتورة مضاعفة بين الـ 4 و6 مرات.
في الواقع، اعتمدت عملية الاحتساب الجديدة على المعادلة الآتية: جميع أسعار باقات الإنترنت والبطاقات المسعّرة اليوم بالدولار، يقسم سعرها على 3 ويُضرب بسعر صيرفة لتحديد سعر مبيعها بالليرة اللبنانية. أي أن أسعار الخلوي ستكون متحركة ربطاً بسعر صيرفة. والمستغرب أن تبقى عملية التسعير بالدولار طالما أن الاتصالات خدمة عامة، وهو أمر يبرّره وزير الاتصالات بـ«استمرارية القطاع لتأمين استمرارية الشركات والحفاظ على قيمتها بهدف خصخصتها».
مفارقات الخلوي
اتخذ قرار رفع أسعار خدمة الهاتف الخلوي (اتصالات وداتا) بهذه النسب الباهظة في مجلس الوزراء باعتبار أن الخيارات محدودة: تشغيل القطاع بهذه الأسعار مع إجراءات توقيف شبكات قديمة، أو وقفه عن العمل نهائياً. لم يناقش أحد في خيارات أخرى، ولم يرفع وزير الاتصالات سوى هذا الخيار إلى مجلس الوزراء، الذي رفضه في البدء ثم خضع لاحقاً. وتقول المعلومات إن إطفاء القطاع كان قريباً جداً، إذ إن السيولة المتوافرة في الشركتين كانت ضئيلة للغاية ولم تكن كافية لعمليات التشغيل لأكثر من شهر بالحدّ الأقصى. بهذه الذريعة، أقرّت زيادة الأسعار، لكن النقاش الفعلي كان يفترض أن يكون في مكان آخر. فهل زيادة الأسعار والإجراءات الأخرى كانت هي الحلّ الوحيد مقابل إطفاء القطاع؟
والإجراءات كانت على الشكل الآتي: توقيف شبكة الجيل الثاني، وتوقيف 80% من شبكة الجيل الثالث في كل من «ألفا» و«تاتش»، بهدف تخفيض 42.65 مليون دولار نقدي من تكلفة تشغيل شبكتَي الاتصالات خلال السنوات الثلاث القادمة، استناداً إلى دراساتٍ أعدّتها شركتا «ألفا» و«تاتش».
هل تنسجم هذه التعرفات الجديدة مع توصيف الخدمة بأنّها عموميّة ومع القدرة الشرائيّة؟
عملياً، إن اختيار التوفير بهذه الطريقة ينعكس على المستهلكين بسبب أمرين:
– تحميل المستهلك القسم الأكبر من الأعباء التشغيلية المترتّبة على الشركتين. إذ إن أكثر من 232 ألف مشترك لا يستخدمون هواتف ذكية، وبالتالي عليهم شراء هواتف جديدة تتماشى مع الجيل الثالث (3g) خلال مدّة تسعة أشهر بحسب تأكيد قرم لـ«الأخبار». ومعظم هؤلاء من الطبقات الفقيرة، أي أن عملية التوفير على حسابهم، أو أقلّه ستحرمهم من الولوج إلى الاتصالات إذا لم يتمكنوا من استبدال هواتفهم. وإلى جانبهم، تستخدم الأجهزة الأمنية والعسكرية نحو 5364 جهازاً خلوياً قديماً، كونها تعتمد على خدمات الجيل الثاني من منطلق أمني. توقّعات وزارة الاتصالات أن تبلغ كلفة استبدال هذه الأجهزة أكثر بقليل من 160 ألف دولار، فضلاً عن الحاجة إلى الاستثمار بأكثر من 7 ملايين دولار لاستبدال التقنيات المعتمدة راهناً، وتقسم كالآتي: 2.25 مليون دولار لشراء مشروع الاعتراض القانوني و5.7 ملايين دولار لمشروع تحديد الموقع الجغرافي، على أن يتضمّن المبلغ كلفة تراخيص «نوكيا» و«هواوي» و«أريكسون» وتقدّر بنحو 2.7 مليون دولار. أما تمويل المشاريع، فتقترح الوزارة أن تؤمّنه الحكومة. ويبرّر قرم الاستثمار بأكثر من 5 ملايين دولار في مشروع تحديد الموقع الجغرافي بالقول: «تقنية نرغب بتوفّرها».
– رداءة جودة الخدمة التي ستنتج من إيقاف الشبكتين المستخدمتين لإجراء المكالمات الصوتية، علماً بأن شبكة الجيل الرابع (4G) غير مجهّزة لإتمام هذا النوع من الاتصالات وتستعمل فقط لحركة الإنترنت. وفق متخصّصين، فإن إطفاء الـ(2g) و82% من الـ(3g) «سيقلّص القدرة الاستيعابية للشبكة على تبادل الاتصالات بشكل كبير، إذ إن نحو 5 ملايين مشترك سيستخدمون أقل من 10% من القدرة الاستيعابية الحالية. وسنرى الكثير من الاتصالات المقطوعة وغير الناجحة». وهذا الأمر سينعكس سلباً على الوفر المتوقّع وعلى الإيرادات نتيجة تراجع عدد الاتصالات بسبب سوء الخدمة. لكن رئيس مجلس إدارة «تاتش» سالم عيتاني يشير إلى أن الدراسات التقنية التي أجريت تشير إلى أن شبكة الجيل الثالث (3g) بالوضع الذي ستكون عليه ابتداءً من مطلع تموز، قادرة على استيعاب هذا الضغط الذي سينتقل إلى إحدى موجاتها من شبكة الجيل الثاني، وذلك من دون تردّي الجودة. إذاً، لماذا جرى استثمار أكثر من 90 مليون دولار على شبكة كان يفترض أن تخدم لغاية 2025؟ وإذا كانت شبكة الجيل الثاني تُستعمل كشبكة احتياط لشبكة الجيل الثالث، فبإلغاء شبكة الجيل الثاني أي شبكة ستشكّل الاحتياط؟ يعلّل عيتاني كلامه بأن «لا جدوى اقتصادية من الاستمرار بالاستثمار في شبكة الجيل الثاني التي تتخلّى عنها الدول». ويضيف قرم: «الجيل الثاني تكنولوجيا قديمة وتخسّر القطاع».
هندسة الأسعار
يمكن تسمية زيادة الأسعار بأنها «هندسة أسعار الاتصالات» لا تأخذ في الحسبان أن التعرفة يفترض أن تكون منسجمة مع القوّة الشرائية للعملة، وأن لا يبقى مفهومها محصوراً بخسائر القطاع وأرباحه بهدف البيع أو الخصخصة. صحيح أن شبكتي الخلوي على وشك الانهيار، إلا أن إنقاذهما لا يكون على حساب المستهلك، بل يكون عبر تخصيص الدولة باقات مدعومة للمستهلكين ضمن الحدّ الأدنى، وأن يتم التسعير وفق أسس أكثر استهدافاً بين شرائح المجتمع. الدولة هي التي تملك القطاع وهي التي يجب عليها أن تخصّص له مبالغ تكفيه للتشغيل، وبوصفها دولة الرعاية ليس عليها أن تدرس استمرارية القطاع من باب الخسارة والربح فحسب، بل من باب تقديم الخدمة وعموميتها.
«صيرفة» تحتكر التسعير
أصبح اشتراك الإنترنت عبر الخط الأرضي الثابت من «أوجيرو» على النحو التالي: الباقة الأقل سعراً هي 80GB بسرعة 4 mbps سعرها 60 ألف ليرة لبنانية شهرياً، وهناك نوعان آخران من الباقات: باقات بلا سقف محدّد للاستهلاك، وباقات السرعة المفتوحة.
بالنسبة للاستهلاك غير المحدود يوجد 3 باقات: الأولى بسعر 175 ألف ليرة، بسرعة (mbps6)، الثانية بسعر 250 ألف ليرة وبسرعة (mbps8)، أما الثالثة فبسعر 325 ألف ليرة، بسعة غير محدودة وبسرعة مفتوحة. أما بالنسبة للسرعة المفتوحة يوجد 4 باقات: الأولى 100gb بقيمة 90 ألف ليرة، الثانية 160gb بقيمة 145 ألف ليرة، والثالثة 200gb بقيمة 180 ألف ليرة، والرابعة 300gb بقيمة 250 ألف ليرة. وستكون الأسعار موحّدة بالنسبة لشركتي الخلوي «ألفا» و«تاتش» عن طريق طرح بطاقات جدد تُباع بحسب سعر «صيرفة»: بطاقة بسعر 4.5 دولار لعموم المشتركين، بطاقات «ألفا الخط العسكري»، «تاتش بالخدمة»، «ألفا يو كان»، «تاتش معك» بسعر 2 دولار.
أما أسعار باقات إنترنت «ألفا» و«تاتش» ستصبح على الشكل التالي:
500 ميغابايت: 130 ألف ليرة.
1.5 جيغابايت: 170ألف ليرة.
5 جيغابايت: 220 ألف ليرة.
10 جيغابايت: 330 ألف ليرة.
20 جيغابايت: 500 ألف ليرة.
30 جيغابايت: 650 ألف ليرة.
ربع المشتركين يغيّرون سلوكهم
يتوقع أن تؤدي خطّة الاتّصالات القاضية بتحقيق وفر من خلال إطفاء بعض الشبكات والموجات، ومن خلال زيادة الأسعار، إلى انكماشٍ في عدد المشتركين أو في عدد الاتصالات والإنفاق على الإنترنت في القطاع. وبحسب وزير الاتصالات، جوني قرم، تتوقع «ألفا» و«تاتش» أن يتغيّر سلوك 26% من المشتركين، أي أن الانعكاسات ستصيب ربع المشتركين. الشريحة التي ستصبح خارج الشبكة أو تقلّل استخدامها لها هي حتماً المحدودة الدخل، ليصبح الولوج الى الاتصالات بأريحيّة حكراً على الميسورين مادياً.