في 27 نيسان الماضي وبعد نحو شهر على صدور تقرير ديوان المحاسبة حول الصفقتين المتعلقتين بشركة”MOBILE INTERIM COMPANY2″ المشغلة لقطاع الإتصالات، والتي تتعلق الأولى بإستئجار مبنى قصابيان في الشياح من دون أن تشغّله، والثانية بإستئجار البلوكين B وC من مبنى الباشورة ومن ثم شرائهما ولكن من دون أن تتملّكهما فعلياً، وجهت النيابة العامة لدى ديوان المحاسبة كتاباً الى مدير عام الشؤون العقارية جورج معراوي، طلبت فيه إتخاذ الإجراءات الآيلة الى وضع إشارة عقد بيع لصالح شركة MIC2 على العقار 1526 من منطقة الباشورة العقارية، ومنع التصرف بالعقار المذكور إلى حين إنتهاء التحقيقات التي باشرتها، «حرصاً على المصلحة العامة وحفاظاً على الأموال العمومية.
الكتاب صدر عن المدعي العام فوزي خميس، بعد الإطلاع على ما ورد في تقرير ديوان المحاسبة الصادر بتاريخ 28 آذار 2023، والذي أظهر تقصيراً من قبل ثلاثة وزراء متعاقبين ومن شركة MIC2 في إتخاذ الإجراءات الآيلة الى وضع هذه الإشارة على الصحيفة العينية للعقار المذكور، على رغم مما سينتج عن هذا الإهمال من خسائر فادحة للشركة المشغّلة ولخزينة الدولة في حال أفلست شركة CITY DEVELOPMENT التي باعت العقار، أو عمد مصرف فرنسبنك الى تنفيذ التأمين الملقى لصالحه.
هذا وقد تأكد ديوان المحاسبة بحسب تقريره «من عدم وضع الإشارة، من خلال طلبه إفادة عقارية مؤرخة بتاريخ 7 كانون الأول من العام 2022 «أي بعد تخلف الشركة المشغلة عن سداد ثلاث دفعات متتالية من كلفة البناء المحددة، والتي تبلغ قيمة كل منها 15 مليون دولار. فيما ذكرت مصادر مطلعة أن الصحيفة العقارية التي تم الإستحصال عليها أظهرت بأن المبنى مرهون لفرنسبنك بمبلغ 73 مليوناً و700 ألف دولار.
ويظهر تقرير ديوان المحاسبة الذي فجّر تفاصيل ملابسات الصفقتين الممتدة على سبعة عهود لوزراء إتصالات تعاقبوا على المركز، منهم أربعة يعنيهم الأمر مباشرة بصفقة مبنى الباشورة، بدءاً من مرحلة إستئجار البلوكين B و C، حتى مرحلة شرائهما، أن إجراء وضع الإشارة على عقد شراء المبنى، كان يفترض أن يتم منذ تاريخ توقيع عقد الشراء مع شركة CITY DEVELOPMENT، أي في عهد الوزير الأسبق محمد شقير. إذ قرر شقير حينها، وفقاً للمصادر، معالجة الفضيحة التي إنفجرت بعهد سلفه الوزير جمال الجراح إثر إستئجار مبنى الباشورة بأرقام «غير واقعية»، بخطأ آخر إرتكبه من خلال تملك البلوكين B و C من المبنى المذكور.
وكانت عملية البيع هذه قد تمت وفقاً لمصادر مطلعة خلافاً للعقد التشغيلي الموقع مع شركة ميك 2، والذي يمنع الشركة من تملك أي عقار، كما يمنعها من الإستدانة. كما تمت الصفقة وفقاً لمصادر مطلعة «من دون إجراء تخمين فعلي لسعر المبنى، من دون موافقة مجلس الوزراء، من دون رقابة ديوان المحاسبة، من دون حسم قيمة الأشغال التي تكفلتها الدولة حتى صار المبنى يوازي القيمة المحددة له. كما إشترت الشركة البلوكين بالتقسيط متكبدة الفوائد عليها، من دون الحاجة لذلك». هذا في وقت أظهر تقرير ديوان المحاسبة أنّ شركة ميك 2 مع الوزيرين السابق طلال حواط والحالي جوني القرم «لم يتخذوا خطوات فعلية لا للمنازعة في صحة العقد، ولا لمحاسبة أي من المسؤولين عن توقيعه، ولا لتسديد الأقساط المتوجبة بموجب عقد البيع، ولا لوضع إشارة عقد على الصحيفة العينية للعقار».
تقصير الوزير الحالي
وتظهر التفاصيل التي أوردها تقرير ديوان المحاسبة، أنّ وزير الإتصالات الحالي جوني القرم، لم يبادر لإتخاذ إجراءات عملانية في هذا الإطار، الا بعد تبلغه دعوى فسخ عقد البيع من قبل شركة سيتي ديفلوبمنت، أعقبت إنذارات وجهت إلى شركة ميك 2 بسداد الأقساط المحددة.
فاقترح القرم حلاً من جانب واحد «مجتزأ وغير مضمون النتائج»، كونه إستنسب حسبما جاء في كتابه الموجه لديوان المحاسبة الذي طلب مشورته، تسديد المبالغ المتوجبة على أساس سعر صرف 3900 ليرة للدولار، من دون تبيان السند القانوني أو الواقعي لإعتماده، ومن دون أن يكون هناك إتفاق مسبق مع الجهة البائعة على هذا السعر». في وقت إعتبر تقرير ديوان المحاسبة أنّ «تسديد المبالغ المتوجبة في ذمة الشركة لا ينهي إحتمال إلغاء عقد البيع بفعل التخلف الحاصل في تطبيق بنوده».
إذا بعد توقيع عقدي الإستئجار ومن ثم بيع العقار المذكور من دون مراجعة ديوان المحاسبة خلافاً للمادة 35 من قانونه، لجأت وزارة الإتصالات ممثلة بوزيرها الحالي إلى مشورة الديوان في مسألة إعتبرها الأخير أنّه ليس فيها «نص مالي ملتبس يقتضي توضيحه وتوضيح آلية تطبيقه، وعليه لا تتوفر في المعاملة شروط طلب إبداء الرأي الواردة في المادة 87 من قانون تنظيم ديوان المحاسبة»، شارحاً أنّ ذلك «يدخل في مجال اختصاص السلطتين التنفيذية والتشريعية والسلطة القضائية المختصة عند عرض أي نزاع مدني». بالأثناء حاول الوزير القرم خلال إجتماع لجنة الإتصالات الأخير، والذي خصص لمناقشة تقرير ديوان المحاسبة، أن يتمسك بكونه قد أكمل واجباته في هذه القضية عندما وضع شيكاً بالمبلغ المحدد لدى كاتب العدل لحفظ حق الدولة، بمقابل تذرّعه في ما يتعلق بالتقصير في وضع الإشارة على الصحيفة العينية للعقار، بالعراقيل التي تسبب بها إضراب القطاع العام. وقد أثارت ذرائعه هذه زوبعة من الإنتقادات من جانب المشاركين في اجتماع لجنة الاتصالات، وخصوصاً بعدما أبرز هؤلاء أكثر من معاملة رسمية تظهر متابعة الموظفين في دوائر بيروت لأعمالهم ولو بالحد الأدنى، بالإضافة إلى مواجهته من قبل ديوان المحاسبة بالإشارة إلى المفارقة في كون «الدوائر الرسمية تفتح ليلاً أمام بعض الزعماء لنقل ملكياتهم الخاصّة، فيما لا يقدر وزير أن يلزم موظفين على فتح الدوائر لإنجاز عمل يحفظ المال العام».
دعوى الشركة المالكة
هذا في وقت تلوح في الأفق مخاطر التداعيات التي سيتسبب بها النظر في الدعوى المقامة منCITY DEVELOPMENT، والتي تقدمت بها إلى المحكمة الإبتدائية في بيروت الغرفة الناظرة في القضايا العقارية، بتاريخ 1 آذار من العام 2022، أي بعد شهرين من تخلّف MIC2 عن موعد تسديد القسط الأخير المستحق من ثمن البلوكين.
وقد طالبت الشركة بتطبيق موجبات العقد بإخلاء المبنى من دون أي مراجعة، خصوصاً أنّ التقصير في تسديد الأقساط، كما تبين، بدأ في عهد الوزير محمد شقير حين تذرعت MIC2 وفقاً للشكوى «أنّها لا تستطيع الدفع من دون موافقة وزارة الاتصالات الخطية، وهو ما لم يرد في عقد البيع كون العقد موقعاً بين شركتين تجاريتين»، ليستحق القسط الثاني من الدين في 15 كانون الأول من العام 2021 أثناء ولاية الوزير حواط، الذي كان بإمكانه وفقاً لتقرير ديوان المحاسبة، «الإستفادة من تعليق المهل لتسديده وتسديد القسط الأول المستحق أثناء ولاية سلفه»، فيما القسط الثالث إستحق بولاية الوزير القرم في 15 كانون الاول من سنة 2022.
وفي تفاصيل دعوى CITY DEVELOPMENT تذكير بحق الشركة بإبطال العقد في حال التخلف عن دفع أي قسط من أقساط المبنى بمهلة شهر من موعده بناء للمادة الثالثة من عقد البيع. اذ يعتبر العقد ناكلاً في حالة التخلف من دون حاجة إلى إنذار أو مراجعة قضائية أو غير قضائية من أي نوع كانت.
هذا ولم تطلب الشركة فقط إعتبار عقد البيع كأنه لم يكن، وبالتالي إخلاء البلوكين من المبنى وتسليمهما خاليين بالحالة التي تسلمتهما فيها، تحت طائلة غرامة إكراهية لا تقل عن 10 آلاف دولار عن كل يوم تأخير، بل إحتفظت بحقها لجهة المطالبة بالتعويضات، وبإجراء المقاصة بين قيمة الدفعة الأولى المسددة للمدعية وبين قيمة التعويضات التي تطلبها عن إشغال البلوكين، وعن عدم الصيانة وسوء الإستعمال والتخريب اللاحق بهما والحاجة الى الترميم الكامل وإعادة الهيكلية. وادعت أيضاً أنّ الشركة تخلفت عن تسديد نفقات الصيانة السنوية التي تترتب وفقاً للعقد على الشاري بنسبة نحو 63 بالمئة.
خطورة هذه التفاصيل كما يشرح مصدر مطلع هي «في أنها لا تكشف فقط عن عملية حصلت وإنفضحت صفقاتها، وإنما تداعيات الصفقتين اللتين جرتا من خلال إستئجار مبنى قصابيان أو تملك مبنى الباشورة، لا زالت قائمة، والخسارة التي ستقع ستكلفنا أكثر إذا لم نتداركها».
فكيف تمت صفقة إستئجار مبنى الباشورة، وكيف إنتقلت بها شركة MIC2 إلى مرحلة التملك، وما هي المخالفات التي كشفها ديوان المحاسبة، وما علاقة شركتي BC1526 وAc Reality. أمور سنعرضها بالإستناد الى تقرير ديوان المحاسبة في التحقيق المقبل.