غريب أمر قضية أموال البلديات. كلما اقترب حلها في مكان تعقدت في أماكن أخرى. وكلما حصر الخلاف فتحت له مسارب عديدة، تؤدي جميعها إلى نهاية واحدة: حرمان البلديات من الحصول على حقوقها من عائدات الخلوي، بالرغم من مرور 20 عاماً على استحقاقها.
وبعد أن أنهت البلديات مرحلة الصمت الطويل، وتألفت لجنة تنسيق مهمتها متابعة مصير عائدات يعترف الجميع أنها حق لها ويجهد كثر لحرمانها منه، تبدأ اليوم مهمة صعبة تهدف إلى وضع حد لاستغلال مستحقات تقدر بنحو ألفي مليار ليرة لبنانية، لتغطية العجز في الموازنة، خلافاً لأي نص قانوني.
وقبل أن تلتقي اللجنة، اليوم، وزير الاتصالات بطرس حرب، فاجأها الأخير ببيان سعى فيه إلى تبرير تحويله أموال البلديات إلى وزارة المال وليس إلى أصحاب الحق مباشرة. وفيما كان أعقب تحويل الأموال إلى المالية اعتراض واسع بدأ في لجنة المال وانتقل إلى البلديات، قدّم حرب قراءة مغايرة لقانون الضريبة على القيمة المضافة، معتبراً أنه ينص على تحويل عائدات الهاتف الخلوي إلى الصندوق البلدي المستقل في وزارة المال، وليس إلى البلديات أسوة بما يجري مع الأموال المحصلة من الهاتف الثابت.
«البيان المفاجأة»، كما يصفه منسق اللجنة خليل حرفوش، جاء مناقضاً للمادة 55 من القانون نفسه والتي تنص على أن «تتولى الإدارة المختصة (وزارة الاتصالات) فرض الضريبة على المشتركين وتستوفيها منهم، على أن تؤدي حاصلها مرة كل ثلاثة أشهر إلى كل بلدية معنية، بنسبة حصتها من الإشتراكات، أو إلى الصندوق البلدي المستقل، في ما يعود للإشتراكات الواقعة خارج النطاق البلدي». ولما لم يميز القانون بين المشتركين في الهاتف الثابت والمشتركين في الهاتف الخلوي، ولما كانت نسبة 97 بالمئة من الاتصالات الخلوية تجري في نطاق البلديات، فإنه يكون من المحسوم أن عائداتها يجب أن تسلم للبلديات، على أن يحول نحو 3 بالمئة منها فقط إلى الصندوق.
وإذ تستوضح اللجنة اليوم من حرب خلفيات بيانه، وتسعى غداً لنقل وجهة نظرها إلى وزير الداخلية نهاد المشنوق، على أن تلتقي في وقت لاحق الرئيس نبيه بري والوزير علي حسن خليل (لم يحدد الموعد بعد)، فإن مسعاها يتركز على استعادة أموالها المستحقة منذ العام 1994 وعلى إلغاء المادة الرابعة من آلية التوزيع التي اقترحها حرب بالتعاون مع خليل والتي تنص على اقتطاع نسب تتراوح بين 50 و90 بالمئة، لتسديد سلفات خزينة مسجلة على حساب البلديات واتحادات البلديات لصالح الشركات الملتزمة أشغال الكنس وجمع النفايات ومعالجتها («سوكلين» وأخواتها).
هكذا، برّأ وزير الاتصالات نفسه من أي دور في توزيع أموال البلديات، بحجة يعود ويقدم عكسها في البيان نفسه. فبعد أن أوضح أنه قام بتحويل أموال البلديات إلى الصندوق البلدي المستقل في وزارة المالية «وفق الأصول المتبعة»، يعود ويشير إلى أن «المعضلة التي تعوق وصول أموال البلديات من مستحقات الخلوي تكمن تحديدا في عدم الاتفاق على آلية صرف هذه الأموال، وليس في عدم تحويل وزارة الاتصالات هذه الأموال بسبب عدم صدور المرسوم الذي أعدته الحكومة السابقة، والذي يقترح آلية للتوزيع».
وبين تفسير حرب للقانون باعتباره يحصر مسؤولية وزارة الاتصالات بتحويل الأموال إلى وزارة المالية، وهو تفسير مناقض تماماً لتفسير الوزراء السابقين جبران باسيل، شربل نحاس ونقولا صحناوي، وبين اعتباره أن العائق يتمثل في غياب آلية التوزيع، تبقى البلديات المتضرر الوحيد من كل التخبط الوزاري، إذ لم يصلها حتى اليوم أي قرش من المليارات المستحقة لها.
وبعدما كانت لجنة المال تنتظر من حرب أن يسلمها تقريراً رسمياً يحدد مستحقات البلديات منذ العام 1994، أعلن في البيان أن الوزارة حولت كل مستحقات البلديات لغاية 31 أيار 2014 والمقدرة بنحو 1500 مليار ليرة إلى «المالية» وإن لم يتم تحديد حصة البلديات في أي من التحويلات (باستثناء التحويل الأخير الذي خصصت فيه وزارة الاتصالات 675 مليار ليرة لصالح البلديات، قبل أن يضاف له مبلغ 66 مليار ليرة أعلنت وزارتا الاتصالات والمالية الأسبوع الماضي عن تحويله عن الفترة ما بين حزيران وتشرين الثاني).
من جهته، رحب رئيس لجنة المال ابراهيم كنعان بإعلان حرب، في بيانه، أنه سيوجه طلب استشارة قانونية إلى هيئة الاستشارات والتشريع لحسم الجهة التي تملك حق توزيع حصة البلديات. لكنه من جهة أخرى، استغرب كيف يعمد حرب إلى تحويل حصة البلديات عن الفترة الأخيرة، فيما كان يمكنه، تأكيداً على حرصه على التنمية المحلية، أن يؤجل ذلك إلى حين الحصول على الاستشارة أو حتى إلى حين إقرار الحكومة لآلية التوزيع.