هناك دعوة إلى إقفال الهواتف يوم الأحد المقبل، في سياق تحرّك يقوم به ناشطون وناشطات للتعبير عن رفضهم للطريقة التي يُدار بها قطاع الاتصالات والأكلاف التي ترتّبها هذه الإدارة على المستهلكين… الاستجابة لهذه الخطوة قد لا تكون واسعة، بحسب ما دلت عليه تجارب سابقة، وهي قد لا تكون موجعة كفاية لفرض الإصلاحات المطلوبة، ولكن ما تطرحه الحملة الجديدة ينبع من واقع سيئ حقيقي يستدعي رفع الصوت عالياً من اجل حق المقيمين والمقيمات في لبنان بأجود خدمات الاتصالات بأدنى الأسعار، أو بمعنى أوضح، أن لا تبقى الاتصالات أداة جباية للضرائب
1860 ملياراً و490 مليون ليرة لبنانية، أو ما يعادل 1.2 مليار دولار، هو حجم الإيرادات الصافية لوزارة الاتصالات عام 2015، بحسب وزارة المالية.
تُشير الأخيرة في تقريرها حول ملخص الوضع المالي الصادر في العام الماضي الى أن إيرادات الاتصالات بلغت حتى آب الماضي، أي في ثمانية أشهر، نحو 1202 مليار و236 مليون ليرة، أو ما يعادل 801.5 مليون دولار. تقول المؤسسة العامة لتشجيع الاستثمارات في لبنان (إيدال) في تقريرها الأخير حول الاتصالات إن قطاع الاتصالات في لبنان يُعدّ مصدر الدخل الثاني لخزينة الدولة، بعد إيرادات الضريبة على القيمة المُضافة (T.V.A). بمعنى آخر، يردد التقرير، بشكل مباشر، ما يشكو منه الكثيرون عن أن قطاع الاتصالات في لبنان تحوّل الى “ضريبة” يدفعها المُقيم في لبنان لتأمين مداخيل لخزينة الدولة، أي أنه تحوّل الى أداة ضريبية للجباية بدلاً من أن يكون “خدمة” تتسم بالأهمية الاقتصادية والاجتماعية، ويجدر توفيرها بأدنى سعر وأقصى جودة. هذا الواقع السلبي الذي ترسّخ على مدى عقدين من الزمن، يعبّر عنه رئيس الهيئة المنظّمة للاتصالات السابق، عماد حب الله، الذي شرح في حديثه الى “الأخبار” أن الاتصالات في لبنان هي عبارة عن ضريبة مُعلنة تُستخدم لـ”تشليح” المُشتركين في خطوط الهواتف رسوماً “هي الأغلى في العالم”.
4.5 ملايين مُشترك أم مكلّف؟
التقديرات الرسمية لقيمة الإيرادات الصافية التي تحصل عليها الخزينة العامّة، لا تعكس قيمة قطاع الاتصالات كلّه، على الرغم من أنه مملوك بشكل شبه كامل من الدولة، فهذه التقديرات لا تشمل المبالغ المقتطعة من الإيرادات للاستثمار والصيانة والأجور والإيجارات وعقود شركتي إدارة وتشغيل شبكتي الخلوي وعقود هيئة “أوجيرو” وغيرها من النفقات الكثيرة والكبيرة التي تُصرف من دون تدقيق جدي ورقابة فعلية… كما لا تشمل أعمال شركات الإنترنت الخاصة وأرباح الموزعين… بمعنى ما، يمكن تقدير القيمة الإجمالية لفواتير الاتصالات التي يسددها المشتركون في لبنان بأكثر من 3 مليارات دولار، وهذا ما يفسر الكثير من الأمور التي يعانيها القطاع، إذ يسيل لعاب كثيف للسيطرة على هذه الريوع والاستحواذ عليها وتوزيعها بين اللاعبين الكبار، وصولاً الى الخصخصة الشاملة المستهدفة.
حب الله: رسوم الاتصالات في لبنان هي الأغلى في العالم
تفيد آخر التقديرات بأن في لبنان نحو 4,504,631 مُشتركاً في خطوط الهواتف الخلوية. 2,026,800 مُشترك على شبكة ألفا التي تديرها وتشغلها شركة “أوراسكوم للاتصالات والإعلام والتكنولوجيا” (OTMT) المصرية منذ شباط 2009. و2,44,831 مُشتركاً على شبكة تاتش التي تديرها شركة “زين” الكويتية منذ عام 2004. أمّا عدد المُشتركين في خطوط الهاتف الثابت، فقد بلغ عام 2015، نحو 970 ألفاً، وتشير إيدال في دراستها الى ارتفاع نسب اشتراكات الهواتف الخلوية خلال السنوات الماضية بمعدل نمو سنوي مركب يبلغ 5.71% بين عامي 2010 و2015، ويعود جزء مهم من هذا النمو الى تزايد أعداد اللاجئين السوريين. وبحسب الدراسة نفسها، وصلت نسبة انتشار خطوط الهواتف الخلوية بين السكان الى 87.07% في عام 2015، بعدما كانت 65.97% في عام 2010. هذه النسب، على الرغم من أنها تبقى أقل من النسب الموجودة في البلدان العربية (110%) وأقل من المعدل العالمي (93%)، تُنبئ بـ”نمو” قطاع الاتصالات في لبنان وجعله أكثر “دسامة”.
المكونات شبه الضريبية
في عام 2010، اعلن وزير الاتصالات (حينها)، شربل نحاس، أن ثلثي فاتورة الخلوي التي يسددها المشترك هي ضرائب ومكونات شبه ضريبية، في مقدمها الاشتراك الشهري الذي لا يوجد مثيل له إلا لدى عدد قليل جداً من الدول المتخلفة تكنولوجياً. وتتفق معظم الآراء على أن ارتفاع الفاتورة وتدني كفاءة البنى التحتية وسوء الإدارة تشكل عناصر كابحة للاستفادة من تطور تكنولوجيا الاتصالات والمعلوماتية.
وبحسب دراسة أعدّتها جمعية حماية المُستهلك في لبنان عام 2014، يعطى المُشترك في فرنسا مثلاً خطاً ثابتاً مفتوحاً وإنترنت مفتوحاً ورسائل SMS، إضافة الى ساعتين من الاتصال الداخلي الخلوي وإلى 41 بلداً أجنبياً بـ 2.6 دولار شهرياً فقط. أمّا كلفة العرض الأفضل في لبنان (اشتراك إنترنت + خط ثابت) فتُقدّر بـ 60.8 دولاراً شهرياً، فيما تبلغ كلفة العرض الأقرب الى الحالة اللبنانية في فرنسا مثلاً (اتصالات خلوية مفتوحة واتصالات مفتوحة على الخط الثابت وعلى الإنترنت وبلا حدود وعلى مدار الساعة) 26 دولاراً شهرياً. ووفق الدراسة، فإنّ الكلفة النظرية للدقيقة للخطوط الثابتة تبلغ 3.26 سنتات، فيما تبلغ الكلفة الحقيقية التي تتضمّن رسوماً واشتراكاً نحو 5.7 سنتات. أما كلفة الدقيقة على بطاقة الخلوي المدفوعة سلفاً، فتبلغ نظرياً 36 سنتاً، في حين أنها تُكلّف واقعياً 63 سنتاً. أما كلفة الدقيقة على الخط الثابت الخلوي، فتبلغ نظرياً 11 سنتاً، في حين أنها تكلف المُستخدم مع اشتراك ورسوم 17.85 سنتاً. إضافة الى أن كلفة الرسالة sms تبلغ 9 سنتات، فيما تبلغ كلفة الإنترنت (D.S.L) 19 دولاراً شهرياً بالحد الأدنى.
%85 من مُشتركي الخلوي خطوطهم مُسبقة الدفع
تُحتسب الثانية دقيقة، ما يعني أن تسديد ثمن 400 دقيقة يقابله استهلاك 280 دقيقة فعلياً، وهذه تعدّ سرقة موصوفة. لم تحتسب الدراسة الانقطاع المتكرر للاتصال الخلوي “الذي يؤدي إلى تحميل المستهلك دقائق إضافية حصيلتها تتجاوز العشرة ملايين شهرياً”. تُشير الدراسة الى أن المُقارنة مع العروض في البلدان الأخرى صعبة “لأن العروض اللبنانية بدائية تعتمد الاحتكار وتغيب عنها المنافسة تماماً”.
هذا الواقع يطرح تساؤلاً حول كيفية توزيع السعر بين الرسوم التي تفرضها وزارة الاتصالات كمكونات شبه ضريبية وبين السعر المتعلق بالعامل التجاري لقاء خدمات تُقدّم للمشترك. يقول مصدر متابع لملف الاتصالات في لبنان إن كل 100 دولار يدفعها المُشترك يوجد فيها 33 دولاراً فقط سعراً تجارياً، علماً بأن السعر التجاري هو من الأغلى بين دول العالم، وبالتالي فإن معظم المُشتركين فعلياً لا يستطيعون التمييز بين السعر الذي يدفعونه لقاء بدل للخدمات التي يتلقونها و”الضريبة” التي تفرض عليهم (رسوم اشتراك أو غيرها)، والمقصود بهم هنا هم المُشتركون في الخطوط المُسبقة الدفع، الذين يُشكلون نحو 85% من إجمالي المُشتركين في خطوط الهواتف الخلوية، بحسب الباحث في “الدولية للمعلومات” محمد شمس الدين.
يشير حب الله الى الكثير من الخدمات الموجودة في قطاع الاتصالات والمعتمدة من قبل الشركتين عبارة عن “عمليات نصب مُنظّمة”. يُعطي مثالاً الاشتراك الشهري الإجباري للمشتركين في خطوط الدفع المُسبق، ويقول إنه في معظم دول العالم، لا يوجد مسألة “التهديد بفقدان الخط أو رقم الهاتف إذا لم يتم تشريجه شهرياً”. بمعنى آخر، إذا كانت الشركات التابعة لوزارة الاتصالات تستطيع أن تبيع الخط الذي باعته للمشترك إذا لم “يُشرّجه”، فهي تقوم بتأجيره الخط لا بيعه، فلماذا تأخذ منه سعر البيع إذاً؟
يقول حب الله إن التصويب يجب أن يكون على الدولة المتمثلة بوزارة الاتصالات التي تُصدّق على اقتراحات الشركات عبر مراسيم وغيرها، لافتاً الى أنها تستطيع أن تلزم الشركات بتخفيض الأسعار والتوصل الى صيغة أفضل. يُذكّر حب الله بأن العقود الحالية مع الشركتين “مُنتهية الصلاحية”، إذ جرى التمديد للشركتين نتيجة فشل المناقصات عام 2015، لافتاً الى أن هذه المناقصات يجب أن تُجرى بطريقة أخرى. ما هي مهمة الهيئة المنظمة للاتصالات إذاً؟ يقول حب الله إنه لم يجر احترام هذه الهيئة ولا مهماتها المنصوص عليها في قانون الاتصالات الصادر عام 2002 (يحمل الرقم 431). ويُضيف إن القانون كان واضحاً لجهة أن تبقى وزارة الاتصالات معنية بالسياسات العامة فقط، وأن أمور التشغيل ومراقبة جودة النوعية والأسعار تبقى منوطة بمهمات الهيئة. ويختم حب الله بالقول إن ارتفاع كلفة الاتصالات لا يؤثر على الأفراد فقط، بل يؤثر على بقية القطاعات التي تعتمد على قطاع الاتصالات.
# رح_سكّر_خطي
تحت شعار “# رح_سكّر_خطي”، انطلقت حملة على مواقع التواصل الاجتماعي منذ أيام تدعو المقيمين والمقيمات في لبنان الى إغلاق هواتفهم وتشغيل وضعية الطيران والتواصل عبر الإنترنت من خلال وصل الهاتف بشبكة الـ WIFI. أما الهدف فهو، بحسب الحملة التي أطلقت على نفسها لقب “الكفاح المهذّب”، الضغط على شركتَي ألفا وتاتش لإلغاء خدمة الاشتراك الشهري الإجباري وإلحاق بعض الخسائر بالشركتين في يوم واحد.