Site icon IMLebanon

مؤقَّت آستانة.. الدائم

في المحصلة التي انتهت إليها مفاوضات آستانة، إيجابيات وسلبيات. والأمران نسبيّان تبعاً لاندراجهما تحت سقف نكبوي عام عنوانه الأول اندثار سوريا، الكيان والدولة، وبلاء أهلها أيّما بلاء.

في أبواب الإيجابيات، أنّ إدلب (مبدئياً!) لن تلحق بالموصل ولا حلب ولا حمص ولا الرقّة ولا دير الزور، ولا تدمر ولا غيرها من الحواضر والدساكر العربية التي دمّرها الإرهاب المزدوج، «الداعشي» والنظامي. وأحالها ركاماً فوق ركام. ونكّل بأهلها مرّتين (في الحالة السورية): مرّة لأنهم خرجوا على «دولة» الاستبداد والطغيان الأسدي/ البعثي/ الفئوي/ المافيوزي. ومرّة بحجّة «تحريرهم» من «دولة» أبو بكر البغدادي!

وإدلب كانت قد تحولت، على مدى العامين الماضيين، وخصوصاً بعد الدخول العسكري على خط النار، إلى نقطة الثقل الأولى للمعارضة في الإجمال. وإلى مركز إيواء وتجمّع لكل من نزح عن منطقته، مدنياً كان أو مسلحاً. إمّا غصباً وكرهاً في ضوء انسداد (وتضييق) منافذ الهرب إلى الجوار التركي واللبناني تحديداً، وإمّا نتيجة «المصالحات» و«التفاهمات» التي جرت في محيط دمشق، وشرق حلب وغيرهما.

ولم تكن بعيدة عن المنطق، تلك الهواجس التي لازمت كثيرين إزاء احتمال كارثي أسود مفاده، أن سلاسة الموافقات من جهة المحور الإيراني على فتح كل الطرق إلى إدلب، كانت تستبطن فكرة المحرقة التامة لها ولكلّ من جاء إليها من كل المناطق وكل أصناف المعارضات، خصوصاً أن «النصرة» سرعان ما فرضت وجودها على غيرها فيها وفي معظم أريافها.

و«النصرة» عند أساطين «الحرب على الإرهاب» هي شقيقة «داعش». سوى أنّ هذا التفصيل التوصيفي لم يعنِ (قبل الآستانة) التعامل معها بالوتيرة ذاتها والطرق ذاتها التي أُعتمدت إزاء المنظومة الداعشية! أو تحت ستار محاربتها. بل تبيّن ويتبيّن أنّ خارطة تقسيم النفوذ بين القوى الدولية والإقليمية، وحسابات الراعي الروسي، أقوى وأمتن من الدوغمائية الإيرانية – الأسدية، وتفرض الأخذ في الحسبان «مصالح» الجوار التركي شمالاً، والجوار الأردني جنوباً! عدا (بطبيعة الحال) «مخاوف» إسرائيل إزاء حدودها الشمالية، والمدى الحيوي لتلك الحدود في الداخل السوري!

إخراج إدلب من سياق مصائر المدن والحواضر العربية المشابهة لها، أمرٌ جيد لعموم السوريين. وسيّئ حُكماً وحتماً لإيران وتابعها رئيس سوريا السابق بشار الأسد! عدا عن كونه «إنجازاً» يُسجَّل في خانة الأتراك الذين سبق وأبرموا «تفاهماً» كبيراً مع الروس طال شرق حلب، ومجمل الشريط الحدودي السوري المحاذي لهم، وتضمّن (أساساً) منع الأكراد من إقامة منطقة نفوذ (معادية) وواسعة النطاق ومؤثرة على الداخل التركي!

في سلبيات خلاصات آستانة، تكريس إيران كأحد ضامني التسويات المرحلية الراهنة، وتثبيت الاستقرار في المناطق الآمنة (بما فيها إدلب!).. ثم الأخطر من ذلك، دوام هذه الصيغة المؤقتة! وتثبيت خرائط النفوذ عند التقسيمات التي انتهت إليها، في ضوء استحالة الوصول إلى «تسوية» حقيقية فعلية ونهائية، طالما لم تقبض موسكو ثمناً مهمّاً مقابل تسليمها رأس بشار الأسد لمن يدفع أكثر! وطالما بقي «المرشد» الإيراني عند يقينه بأن المعركة في سوريا هي «معركة حياة أو موت» بالنسبة إليه وإلى «مشروعه» العام في المنطقة العربية!