IMLebanon

الهدنة في يومها الأوّل: عودة حذرة إلى الجنوب

 

ما إن دخلت الهدنة الموّقتة حيّز التنفيذ، حتى بدأ أبناء الشريط الحدودي بالعودة إلى قراهم. صحيح أنّ الحذر كان سيّد الميدان، في انتظار بلورة الصورة الكاملة، غير أنّ «إبراهيم» لم يتأخر في العودة إلى كفركلا، شعر كأن الروح عادت إليه. نال منزله نصيبه من القصف، فهو يقع عند بوابة فاطمة مباشرة، ومع ذلك عاد ليتفقده ويعود أدراجه إلى النبطية حيث نزح، وقال: «إننا نجهل مدى التزام الإسرائيلي الهدنة. ننتظر ليبنى على الشيء مقتضاه».

 

في جولة لـ»نداء الوطن»، على بعض القرى، لا تزال حركة الناس في كفركلا خجولة جدّاً، باستثناء الذين أتوا لتفقد البلدة سريعاً، فالطيران الإسرائيلي الإستطلاعي أو التجسّسي لم يفارق الأجواء ما دفع بالغالبية الى التريث.

 

أما في العديسة فبدت الحياة فيها أكثر طبيعية. معظم المحال مغلقة، فالبلدة تعرّضت أوّل من أمس أي قبل ساعات من الهدنة لغارتين قويتين، ألحقت أضراراً بعدد كبير من المحال التجارية وسط البلدة وعلى طول الخط العام المقابل لموقع مسكافعام، حتى المقاهي التي كانت مشرّعة أبوابها للصحافيين أقفلت أبوابها، وحده «محمد» تفقد أضرار القصف الذي لحق بمنزله، وقال إنه «عاد من بيروت حيث نزح وسيبقى فترة أيام الهدنة. «ما صدّقنا نرجع ع بيتنا».

 

في وسط البلدة تجمّع عدد من الشبان قرب بعض المحال المتضررة، الزجاج تناثر في الأرجاء، جال حسين موسى على المحال، عاد لتوّه من بيروت، يتأمل حجم الأضرار قبل أن يلفت إلى أنّ «كل هذه الأضرار هي نتيجة الغارة التي استهدفت المقبرة، عصفها أدى إلى كل هذا الدمار».

 

لن يبقى «حسين» في البلدة، سيتريّث قليلاً، قال إنّ «معظم الذين عادوا اليوم جاؤوا لتفقد منازلهم وأرزاقهم، فالكل يشعر بالقلق، ولا يثق بالهدنة، فالعدو غدّار». عدد لا بأس به من أبناء العديسة عادوا إلى بلدتهم. أمام منزله المقابل للجبانة مباشرة يقف «علي» وعدد من الشبان لتفقّد المنازل والأرزاق. أكد «إبراهيم» الذي نزح قبل عشرين يوماً أنه سيبقى في منزله رغم تكسر الزجاج «لا أصدّق أنني هنا في منزلي، سأبقى مع عائلتي، وآمل أن تطول الهدنة، لأنّ النزوح مؤلم وموجع».

 

قرب «إبراهيم» يقف «حسين» الشاب العشريني الذي لم يُغادر البلدة، لافتاً إلى أنّ ليلة الخميس كانت مجنونة، هزّت الغارتان البلدة، شعرنا وكأن زلزالاً وقع». ما يثير سخريته أنّ الإسرائيلي استهدف المقابر «يبدو أنّ الأموات يشكّلون خطراً عليه». تُعدّ العديسة خط تماس مباشراً، ومعظم الذين تفقّدوها، غادروها مجدّداً. والسبّب وفق «حسين» أنّ «الكل ينتظر ثبات الهدنة وعدم خرقها، كي يعودوا مجدّداً».

 

على عكس العديسة تبدو الحياة شبه طبيعية في الطيبة. الدكاكين والمحال كلها أبوابها مفتوحة، حركة الناس لافتة. إذ يشعر موسى أحد أصحاب دكاكين البلدة بالطمأنينة. عاد الهدوء بعد أيام صعبة ومريرة، يكفي أننا لم نعد نسمع أصوات القصف منذ ساعات الصباح».

 

تكاد لا تهدأ الحركة داخل دكانه، أسعاره أرخص بمرتين وربما ثلاث مرات من منطقة النبطية، يقول إنّ «عائلته عانت كثيراً جرّاء الأسعار المرتفعة في منطقة النبطية». نزحت عائلته فيما هو بقي في البلدة. يحمد الله على إلتئام شمل أسرته، عادوا جميعهم وسيبقون طيلة فترة الهدنة، متمنّياً أن تبقى سارية المفعول، فالطيبة من دون ناسها كجسد ميت». دخل «محسن» الرجل السبعيني إلى دكانة «موسى» ليشتري بعض السلع، عاد مع عائلته إلى بلدته رب ثلاثين التي تبعد مسافة قليلة عن الطَّيبة. يريد البقاء «تعبنا في ابتعادنا عن البلدة. 40 يوماً مرتّ دهراً. اليوم عدت إلى الحياة».

 

وسط ساحة الطيبة يجلس الشباب، يدخّنون النرجيلة ويتابعون آخر التطورات، بعضهم يلتقط صور الطيران التجسّسي، لكنّهم يشعرون بالطمأنينة، ويأملون أن تنتهي مفاعيل الحرب نهائيّاً».

 

دبّت الحياة مجدداً في العديد من القرى الحدودية، بدا المشهد وكأنه يعود إلى زمن التحرير حتّى لو كان ظرفيّاً. يعوّل الجميع على عدم سقوط الهدنة، حينها ستطل الحرب برأسها من جديد وسيكون وقعها أقسى، خصوصاً مع حلول فصل الشتاء.

 

إلى ذلك، أشار الجيش اللبناني في بيان إلى أنّه «في ظل عودة جزء من المواطنين إلى منازلهم في المناطق الحدودية الجنوبية التي غادروها نتيجة اعتداءات العدو الإسرائيلي خلال المرحلة الأخيرة، تدعو قيادة الجيش المواطنين إلى اتخاذ أقصى تدابير الحيطة والحذر من مخلفات القصف المعادي، ولا سيما الذخائر الفوسفورية والذخائر غير المنفجرة، وعدم الإقتراب منها وإفادة أقرب مركز عسكري عنها أو الإتصال بعمليات القيادة على الرقم 1701. كما تدعو إلى التزام إجراءات الوقاية المعمّمة من قبل الجيش في هذا الخصوص».