يطلّ ربيع 14 آذار مع ذكرياته العطرة، فتعود الذاكرة عشرة أعوام الى الوراء لتستعيد المشهد المليوني، مع كل ما حمل من آمال بطيّ صفحة الماضي حيث الوصاية السورية عطّلت قيام الدولة وحيث الخلافات الطائفية عطّلت عمل مؤسساتها.
لقد حَلم الشباب أن يُكتب تاريخ لبنان الحديث أولاً عبر توحيد قاعدة شعبية كانت منقسمة ومتناحرة لسنوات طويلة تحت مظلّة الرؤية الموحّدة للوطن الحر ولدولة المؤسسات.. عبر مشهد وحّد الجبهة الداخلية كما لم يحصل من قبل وأعطى اللبنانيين أملاً كان أقرب إلى الحقيقة بغدٍ مشرق بعد غيوم سنوات الظلم السوداء ودخان الإغتيالات.. إلا أن سُرعان ما تبخّرت هذه الآمال وصحا جمهور 14 آذار على واقع سياسي جديد، خرج من مظلّة الرؤية المشتركة إلى الإتفاقات الجانبية ووثائق التفاهم الخاصة، رسّخت الشرخ وعمّقت الإنقسام العامودي وبالتالي قطعت فرص التلاقي مع الشريك، فانتقل هذا الإنقسام من الشارع الى داخل المؤسسات، وكرّر التاريخ تجاربه المرّة بالتعطيل والكيدية الى أن وصل البلد عدّة مرات الى حافة الهاوية لولا العناية الإلهية والرعاية العربية لإنقاذه من السقوط المدوّي في وحول الحروب الأهلية والإقتتال الداخلي.. الى أن وصلنا اليوم إلى إفراغ الدولة من مؤسساتها، والمؤسسات من مضامينها، مع استمرار الشغور الرئاسي دون ظهور أي أفق للحلحلة في المدى المنظور!
وبقي التوجّه متقهقراً في الأداء السياسي عموماً وضمن 14 آذار خصوصاً، فلم يعد المنبر يوحّد الخطابات ولم تعد حتى المناسبة تجمع الحلفاء، فلم تمرّ الحركة بمثل هذه الحالة من التفكّك والتباعد.. وبالتالي لم يمرّ جمهور 14 آذار بخيبة كما اليوم، حيث باتت هجرة الشباب هي أملهم بالخلاص، خاصة بعدما أثبتت الخطوات التي اتخذت خلال العشر سنوات والتي أُعلن عنها مؤخراً أنها مراوحة ودوران في حلقة مفرغة، فلا الوطن فتح صفحة جديدة في تاريخه الحديث، ولا الإصلاح المنشود رأى النور، ولا حتى الموارد والثروات تم استثمارها لإخراج الإقتصاد من عنق الزجاجة، ولا حتى وحدة الصف أدّت الى ترسيخ مفهوم المواطنة والإنتماء للبنان..
وبالتالي ماذا حقّقت 14 آذار بعد عشر سنوات من الإيمان بها؟ وماذا حقّقت 8 آذار لجمهورها سوى تعزيز دورها في الممارسة السياسية عبر التعطيل وضرب الديمقراطية وتعطيل الجمهورية؟
إن الدَرَك الذي وصلنا إليه تتحمّل مسؤوليته كل الأفرقاء بشكل متساوٍ، ويتشارك الخصوم في هذه الجريمة بحق الوطن والمواطن! فهل تأتي كلمة السر لتُستكمل الحوارات «الجانبية والخاصة» لتودي بالحد الأدنى من حفظ المؤسسات عبر انتخاب رئيس للجمهورية واستكمال المشهد السياسي بشكل طبيعي، أم أن الساعة لم تدق بعد.. ولم تكن 14 آذار 2005 سوى لحظة تاريخية نرويها لأولادنا ونتحسّر عليها؟!