IMLebanon

عشرة أعوام على الاغتيال

سيبقى اغتيال الرئيس رفيق الحريري، قبل عشرة أعوام، بمثابة أول عمل عدواني مباشر من “معسكر الممانعة” ضد “محور الاعتدال”. دشّن لمرحلة صارت تداعياتها بعدذاك اقليمية، كما لو أن الرجل وبُعدَه العربي كانا حاجزاً أمام مشروع بدأ بعثياً – ملالياً، وتحوّل أسدياً – ايرانياً، وانتهى فارسياً بحتاً. لم يكن تغييباً لشخص فحسب، بل محاولة لاغتيال بلد هو لبنان. نجحوا في الهدف الأول، لكن انبعاث البلد كان الردّ الأمثل والأقوى، فأفشل الهدف الآخر، رغم أنهم واصلوا المحاولة، ولا يزالون يحاولون.

كثير من الوجوه والنفوس انكشفت حقيقتهم في سياق الاستثمار في غيابه، فمنذ تلك اللحظة سقطت الأقنعة وصاروا مجرد عصابة تتنكّر بشعار “المقاومة” كما يتنكّر “داعش” بالاسلام. استكثروا على روح ضحيتهم أن تنشد العدالة، وعلى تياره الوطني الاستقلالي أن يسعى الى معرفة الحقيقة وراء عملية الاغتيال. بلغ الفجور حدّ أن يقولوا أن “لاعدالتهم” أكثر نظافة من عدالة محكمة دولية. وبعدما يئسوا من حملات تشنيع شنوها ضد هذه المحكمة، لم يجدوا سوى استئناف القتل أو التهديد به لإشاعة مناخ من الترهيب المستدام.

كانوا يريدون للبنان أن يبقى في حال حرب أهلية مفتوحة، يشعلونها أو يهدّئونها متى يشاؤون، واستشعروا أن الحريري اطفائيٌ مزعجٌ، فاعلٌ ونافذٌ، قادرٌ على اخماد الحرائق وحتى على فرملة الاعتداءات الاسرائيلية وإحباط مفاعيلها. يبادر الى التحرّك بدافع لبنانيته ويُوظّف صداقاته وعلاقاته الدولية بفعل عروبته ويهجس بالحفاظ على التجربة اللبنانية وحماية التعايش بين اللبنانيين… لذا كان لا بدّ من ازاحته وتصفيته ليتمكّنوا من العبث بالأمن، بقراري الحرب والسلم، ومن التلاعب بصيغة النظام وتركيبته.

لم يعتدِ أحدٌ عليهم لكن حقدهم الأسود بدا من دون سقف ولا قاع. لم يكن الحريري عدوّهم بل كان يتقي وابل الانتقاد لأنه حليفه، صديقهم، ليتبيّن أنهم لا حليف لهم ولا صديق. لم يكتفِ القتلة باغتياله، بل تابعوا الانتقام منه بعد رحيله، بتضئيل الدولة وتحقيرها، الى الاعتداء على الجيش، الى حصار منشآت الحكم، الى غزو بيروت وحصار بيوتها واستباحتها، الى اسقاط الحكومة بالترهيب، وصولاً الى ابقاء المنصب الأول في الدولة شاغراً ومصادرة انتخابات الرئيس والإصرار على عدم تسليمها إلا لرجلهم ومرشحهم الوحيد… ولا يزال القتلة ينتقمون من اللبنانيين لمجرد أنهم رفضوا الخوف والرضوخ للاغتيال.

إنه الحقد نفسه أعماهم، بل قادهم الى تدمير سوريا، بعد تخريب العراق، والى رمي اليمن في أتون الصراع الأهلي بعد محاولة مماثلة في البحرين وسعي مستميت الى فتن في سائر بلدان الخليج. في مسيرة القتلة يبدو اغتيال الحريري كما لو أنه الفصل الأول من جريمة لا تزال جارية.