IMLebanon

عشر سنين على 14 آذار

في نهاية هذا الاسبوع، تحلّ الذكرى مجدداً، من دون وجوه غابت أو غيبت، لا فارق. تحل الذكرى في غياب شخصيات ناضلت لإبقاء الشعلة مضاءة، ومع أناس ربما اصابهم اليأس من تبدّد الآمال وضياع مشاريع التغيير. تحتاج المرحلة السابقة الى اعادة ترتيب الذاكرة. وتحتاج المرحلة المقبلة الى وثبة جديدة. كل الامور تتطلّب تقويماً، في الرؤى، في الاهداف والتطلعات، في الاستراتيجيات، في الحسابات الكبيرة والصغيرة، في الوفاء لمن رحلوا ودفعوا أثماناً باهظة، وفي إعطاء “اللي بقيوا” دفعاً متجدداً. هذه المراجعة ليست جلداً للذات، لأن المرحلة كانت صعبة ومصيرية، ولأن اللاعبين تخطوا الحدود، والمسؤوليات كانت جسيمة، والاخطار لا تزال جاثمة، وثمة أفرقاء لا يزالون يمسكون العصا من وسطها امام مشروع قيام الدولة.

ولنقل صراحة ان الجميع في لبنان قدموا تضحيات، فالذي استشهد في مواجهة الوصاية السورية، ليس أقل أو أكبر شأناً من الذي استشهد دفاعا عن أرضه في وجه الاحتلال الاسرائيلي. كلاهما شهيد الوطن. من هنا يمكن الانطلاق في رؤية وطنية تتجاوز الحسابات الصغيرة لما يسمى 8 آذار أو 14 آذار. وهذا الالتقاء لا يلغي الاختلاف، بل الخلاف، على أمور وملفات كثيرة واساسية في حياة كل وطن.

لكن الامور الخلافية تستدعي حواراً وطنياً جامعاً، ندرك جيداً ان لا قدرة لأطراف كثر على المضي به والتزام مقرراته، كما حصل في مؤتمر الحوار الوطني سابقا، ذلك ان الارتباطات الخارجية تساهم في تبديل المعادلات، سواء في الداخل أو في المنطقة. وهذا ما يؤثر حكما في الشأن اللبناني، لكننا ندرك جيداً ان لا بديل منه وإن تعثّر في محطات عدة.

والكلام هذا لا ينم عن رغبة في إلغاء الخيارات ما بين 8 و14 آذار، بل في توضيح الاختلاف، وعدم تحويله تخويناً، لأن إلصاق تهم العمالة والخيانة، لا يدفع في اتجاه اي حوار مستقبلي محكوم به اللبنانيون بعدما ادركوا – اذا أدركوا فعلاً – ان الغاء الآخر مستحيل وان لا بديل من عيشهم معاً.

هذا الكلام أيضاً لا ينتج إسقاطاً للحق، وإخفاء للحقيقة، لأن العدالة هي المدخل الحقيقي لبناء الدولة. وما حصل من اعفاءات جماعية لطيّ صفحة الحرب سابقا، لم يكن ظاهرة صحية، اذ لم ترافقه مصالحة وطنية حقيقية وتنقية للذاكرة الجماعية، وربما اعادة تأهيل للناس، فبقي الجمر تحت الرماد، وظل التأهب قائماً لحروب مقبلة شاهدنا بعض فصولها في مراحل لاحقة.

نحن جمهور 14 آذار 2005، متمسّكون بالحقيقة، وبالمحكمة ذات الطابع الدولي، وبالقضاء اللبناني، ومتشددون في ان ينال المجرم عقابه، ومصرون على ألا تتحول أي مؤسسة وسيلة انتقام سياسي. لا نريد أن نفرّط بدماء شهدائنا، لأننا بذلك نحمي اولادنا، وابناء خصومنا في السياسة. لا نريد ان تتدخل سوريا في شؤوننا، ولا نريد ان نخوض حروباً على أرضها. لا نقبل بأن تستبيح اسرائيل اجواءنا وأرضنا ومياهنا، ونرفض ان نكون معبراً وهمياً لتحرير القدس.

لا نريد ان نكون في وسط اللارأي واللاموقف، بل على العكس، نطمح الى أن نبني رؤية استراتيجية لوطن عصري نأمل فيه، وقد دفعنا اثمانا لبقائه، ولعلنا في ذلك نتشارك مع الجميع في تطلّعنا. الدولة ثم الدولة ثم الدولة هدفنا، وسنظل نعمل بجدّ وبمثابرة من اجل هذا الهدف، سواء مرت عشر سنين أو عشرون او مئة، وسنورث اولادنا هذا الهمّ الذي حمله آباؤنا وأجدادنا.