لا شك في أن الأحداث التي يعيشها لبنان والمنطقة وخصوصا في سوريا، ليست خافية على شهيد ثورة الأرز الصحافي سمير قصير، وإن بعد 10 سنوات على غيابه.. فاستشهاد محرّك انتفاضة الاستقلال وصديق الشباب ومرشدهم الى الحرية في مخيم الحرية لم يكن سوى «تصفية حساب» المجرم مع مَن فضح مخططاته في قمع الشعبين اللبناني والسوري، وإذلاله للمخطوفين والمسجونين السياسيين في سجونه.
بعد عشر سنوات، انقلب الجُرم على المجرم.. فمن كان مسؤولا عن اغتياله مات مقتولا أو منتحرا أو منحورا، لا يهمّ، فاختارت «عدالة السماء» رستم غزالي فنال العقاب الذي يستحق، ومَن «سيصمد» بإجرامه، ستكون المحكمة الدولية له بالمرصاد لتحاسبَه بعدالة القانون الدولي، متابعة استجوابها لأشخاص عايشوا مرحلة القمع التي مارسها النظام السوري في لبنان..
ولم يكن خافيا على سمير قصير وجود المفقودين اللبنانيين في السجون السورية.. سجن تدمر فارغ اليوم من البشر ومن الحجر، واللبنانيون يستعيدون الأمل بإمكانية استرجاعهم، فـ«العسكرة» في لبنان كان ثمنها أرواح شهداء وفي سوريا أرواحا ومفقودين.. نعم كان سمير قصير يعلم الأمور بتفاصيلها، أفلم يكتب «عسكر على مين؟» كتب أيضا «تاريخ بيروت«، الذي يعتبر الكتاب الأهم في تأريخ عاصمة لبنان، وكتب «تأملات في شقاء العرب«، و»ديمقراطية لبنان من ديمقراطية سوريا«، الى أن تخطّى مرحلة التأليف، فكتب بدمائه قصة شهيد..
كان سمير مستعدا للمواجهة على طريقته الفكرية المتحررة والمغمّسة بخبرة في معترك الكتابة والتأريخ والصحافة والسياسة. قاوم الوصاية السورية على لبنان وأيّد حرية الشعب السوري فأزهرت كلماته استقلالا للبنان وانتفاضة الشعب السوري على الديكتاتورية، فتفتّحت براعم الحرية على حساب حياته، من دون أن يكترث لتهديد أو ملاحقة.
كثيرا ما كان يتحدّث سمير عن الساحة والشوارع، عن قصصها وتفاصيلها الخاصة. كان دوما منهمكا بالحديث عن تاريخ بيروت، عن التغيّرات العربية التي ستحصل بعد نجاح الانتفاضة اللبنانية وخصوصاً في إخراج الوصاية بعد ثلاثين عاماً من وجودها. كان يحلل في كلامه بداية جديدة في المشرق العربي مكلّلة بانتصار انتفاضة الاستقلال اللبناني.
كثيرا ما كتب سمير قصير عن «ربيع العرب« في مقالاته وختم إحداها «ابشروا، فقد طابت الحياة يا عرب!« وقال أيضا «ان ربيع العرب، حينما يُزهر في بيروت، انما يعلن أوان الورد في دمشق«. فلم يكن استقلال لبنان الناجز ممكناً وتاماً، بالنسبة إليه، من دون وجود ديموقراطية في أقرب البلدان العربية إليه أي في سوريا، وقد قال في هذا الإطار «ديموقراطية سوريا شرط لاستقلال لبنان«.
10 أعوام مرّت على استشهاد الصحافي والاستاذ الجامعي صباح الخميس 2 حزيران في الأشرفية، بعبوة ناسفة استهدفت سيارته أمام منزله. في الليالي التي سبقت، كان سمير يناقش مع رفاقه موضوع المشاركة في الانتخابات النيابية، يرسم الأفكار حول الشعارات التي سترفع، وكانت السهرة الأخيرة التي جمعته مع رفاقه قبل يومين من الاغتيال في ساحة ساسين.
ما يعيشه اللبنانيون اليوم ليس بسرٍّ بالنسبة الى سمير قصير، وليس بسرّ أيضا سبب استشهاده وكذلك من خطّطوا للجريمة ومن تآمروا على الحرية ومن طعنوا أبناء بلدهم ولم يكترثوا ولم يرتدّوا، وهؤلاء تتم تصفيتهم الواحد تلوَ الآخر.. فماذا نفعهم العسكر؟ والقمع؟ والإذلال؟ والتعذيب؟ والغدر؟ والقتل؟ لقد أتت الساعة لأن الشهيد «أعلن أوان الورد في دمشق».