قرّر مجلس الوزراء أن يحيل كامل ملف «استدراج عروض لاستئجار بواخر كهرباء» إلى إدارة المناقصات لدرسه «من ألفه إلى يائه» بحسب مصدر وزاري، وهو ما يفسح في المجال أمام هذه الإدارة «لدرس دفتر الشروط وإعادة التقييم الإداري والتقني، وصولاً إلى فضّ العروض المالية». القرار جاء بعد اعتراضات من حركة أمل وحزب الله والقوات اللبنانية والقومي السوري والحزب الاشتراكي والمردة، في مواجهة تيار المستقبل والتيار الوطني الحرّ
أُجبر وزراء التيار الوطني الحرّ وتيار المستقبل على الانصياع لمطالب وزراء القوات وحركة أمل وحزب الله والاشتراكي والقومي والمردة. فرضت عليهما هذه القوى إحالة ملف استئجار بواخر الكهرباء بكامله إلى إدارة المناقصات خلافاً لاقتراح وزير الطاقة سيزار أبي خليل الذي يفضّل «فضّ العروض المالية عبر لجنة وزارية»، فأقرّ مجلس الوزراء الطلب إلى إدارة المناقصات «فضّ العروض المالية وإعداد تقرير كامل عن استدراج العروض وإحالته إلى الوزير المختص لإعداد تقرير مفصّل لبتّه في مجلس الوزراء بأسرع وقت ممكن» بحسب تصريح وزير الإعلام ملحم رياشي بعد انتهاء الجلسة أمس.
القرار لا يشكّل انتصاراً لأي فريق على الثاني، لكنه يفتح المجال أمام التشكيك بإجراءات التلزيم واحتمال اختراقها بفساد ما، وهو يمنع التيارين البرتقالي والأزرق من احتكار الملفات الحساسة ذات البُعد الشعبي قبل سنة من الانتخابات النيابية… إلا أنه لا يفتح الباب أمام مراجعة شاملة لملف الكهرباء عن الإجراءات السريعة والفعالة في مجالات الإنتاج والنقل والتوزيع والجباية والخيارات، بل يحصر الكلام في خيار البواخر من خلال الخطّة الإنقاذية لصيف 2017 من دون أن يشير إلى عدم قابليتها للحياة بعد اليوم.
التصريحات المتشنّجة سبقت انعقاد الجلسة، إلا أن رئيس الجمهورية ميشال عون تمكّن من احتواء تداعياتها بالإشارة إلى إمكانية «تصحيح أي خطوات غير سليمة في الملف وأي خلل في الإجراءات». كلام عون جاء قبل بدء مجلس الوزراء درس البنود المدرجة على جدول الأعمال، وأولها كتاب وزير الطاقة سيزار أبي خليل الرقم 2275/و الذي يطلب فيه: «حيث إن الاستشاري الدولي POYRY أنهى تقريره التقني العائد لفضّ العروض الإدارية والتقنية، وبات من الضروري الانتقال إلى فضّ العروض المالية العائدة للشركات المؤهلة، وحيث إنه في الفترة الأخيرة ارتفعت أصوات تطالب بإجراء استدراج العروض في إدارة المناقصات التابعة للتفتيش المركزي، وعلى الرغم من واقع أن المؤسسات العامة، ولا سيما مؤسسة كهرباء لبنان ليست ملزمة بالعودة إلى إدارة المناقصات لإجراء مناقصاتها، وحيث إن المسار الإداري الذي سلكه استدراج العروض المماثل سنة 2012 و2013 انتهى بتأليف لجنة وزارية لدراسة العروض والتقارير والتفاوض مع الشركات، وحيث إننا نحرص على شفافية العملية وإشراك مجلس الوزراء في كل مراحل استدراج العروض، لذلك جئنا بكتابنا هذا نرفع الأمر إلى مقام مجلس الوزراء لتقرير المناسب لفض العروض المالية، إن عبر لجنة وزارية أو في إدارة المناقصات، مع تفضيلنا خيار تشكيل لجنة وزارية تماشياً مع المسار الإداري الذي سلكناه والقوانين والأنظمة المرعية الإجراء».
كتاب أبي خليل بدا كأنه يبحث عمن «يتبنّى نتائج المناقصة التي أعدّت وزارة الطاقة دفتر شروطها ونفذتها، أي أن يتم تحميل مسؤولية النتائج لطرف ثالث، ولا سيما أنه يؤكد انتهاء تقرير الاستشاري من دون أن يرفقه بالكتاب» بحسب مصدر وزاري. رغم ذلك، أغفلت الانتقادات، التي سبقت الجلسة، كتاب أبي خليل، وركّزت على أساس عملية التلزيم. فقد أشار وزير المال علي حسن خليل إلى عدم وجود اعتمادات مالية لتمويل المناقصة، وكرّر نائب رئيس الحكومة غسان حاصباني موقف القوات من ضرورة إعادة المناقصة إلى إدارة المناقصات، وعلّق وزير التربية مروان حمادة: «لم نغيّر موقفنا» (رفض استئجار البواخر). أما الوزير علي قانصو، فقد تحدّث عن «سياسة تعتمد بناء معامل الإنتاج لا البواخر»، واقترح الوزير جان أوغاسبيان إعادة النظر بدفتر الشروط من دون إعادة النظر بخطّة الكهرباء كلّها، فيما قال وزير الأشغال يوسف فنيانوس: «نحن ضدّ خطّة الكهرباء، أينما سيكون حزب الله سنكون وسنرى إلى متى سيساير ضدّ قناعاته».
كان لكلام عون وقع «إيجابي» في الجلسة، فأبدى الوزراء المعترضون ملاحظاتهم بلا تشنّج، باستثناء سجال خفيف بين الوزيرين فنيش وفنيانوس حول تصريحات الأخير. وبحسب مصادر وزارية، فقد اتفق على ضرورة درس الملف بما يؤمّن «الطريقة الأسلم والأسرع والأقل كلفة لتوفير الكهرباء»، إلا أن ذلك «لا يعني أن الأمر انتهى عند هذا الحدّ، لأن النقاش لا يزال مفتوحاً على كل الاحتمالات»، ولا سيما أن مجلس الوزراء «لم يطلع على دفتر الشروط، وهناك شعور لدى العديد من الوزراء بأن إجراءات التلزيم التي اتبعت في وزارة الطاقة مثيرة للشكوك». وفي النتيجة، رُفض اقتراح وزير الطاقة «لأن إجراءات التلزيم جرت في وزارة الطاقة، ما يعني أنه لا قيمة قانونية لمسألة فضّ العروض المالية أمام لجنة وزارية».
مروحة الاعتراضات على اللجنة الوزارية شملت نائب رئيس الحكومة غسان حاصباني، والوزراء: علي حسن خليل، محمد فنيش، يوسف فنيانوس، علي قانصو ومروان حمادة. لكن الاعتراضات تطرقت إلى تفاصيل عملية التلزيم والخطة الإنقاذية. فعلى سبيل المثال، سأل وزير المال عن وضعية الاستشاري السويسري الذي كلّفته وزارة الطاقة من دون أن تؤمن له الاعتمادات المالية (المطلوب تسديد 44 ألف يورو)، وتحدّث خليل عن الشروط والمواصفات للتلزيم التي لم يطلع عليها مجلس الوزراء وعن وجود فروق بين ما اتفق عليه في جلسة مجلس الوزراء المنعقدة في 28 آذار وبين قرار مجلس الوزراء المغاير في مضمونه لما اتفق عليه. بالإضافة إلى ذلك، كان هناك إجماع من المعترضين على أن التلزيم يجب أن يتم في إدارة المناقصات وليس في وزارة الطاقة. أما حاصباني فقد تحدّث مطوّلاً عن صوابية الخيارات التي اتخذت في هذا الملف، فما هي المعايير التي على أساسها تقرّر أن يكون العلاج عبر البواخر لا المعامل، وإذا كان الخيار هو البواخر فلماذا تعمل بواسطة الفيول أويل وبأي تكنولوجيا وبأي تمويل… وهل ستؤمن هذه الخيارات الكهرباء هذا الصيف؟ في النهاية، يقول أحد الوزراء المعترضين على ملف البواخر: «كل شيء مفتوح. ستكون لدى إدارة المناقصات الفرصة لدرس كامل ملف مناقصة البواخر من دفتر الشروط إلى العروض الإدارية والتقنية والمالية، بما يتيح لها إعداد تقرير شامل «محايد»، وعليها أن تقدّم تقريراً شاملاً سنتخذ القرار على أساسه، وقد يوصل إلى إعادة المناقصة».