Site icon IMLebanon

مناقصة الميكانيك: الرقابة المسبقة لديوان المحاسبة.. حتمية

بتاريخ 9/10/2014، قرر مجلس الوزراء إطلاق مناقصة مفتوحة لتحديث وتطوير وتشغيل المحطات الموجودة للمعاينة والكشف الميكانيكي للمركبات الآلية في لبنان، وأعمال تصميم وبناء وتجهيز وتشغيل محطات جديدة وانتقالها الى ملكية الدولة اللبنانية. وكلّف هيئة إدارة السير والمركبات الآلية وضع دفتر الشروط الخاصة، كما كلّف إدارة المناقصات إطلاق المناقصة بعد إقرار دفتر الشروط في مجلس الوزراء.

وفي جلسة 8/4/2015، صدر عن مجلس الوزراء قرار الموافقة على دفتر الشروط، وهي موافقة معلقة على شرط التقيّد بملاحظات الوزراء في الجلسة.

إذاً، وبحسب هذين القرارين، فإن الدولة اللبنانية هي المالكة للمشروع بدليل أن ملكية الإنشاءات والتجهيزات ستعود إلى الدولة لا إلى هيئة إدارة السير والمركبات الآلية، وكذلك فإن مجلس الوزراء هو من صادق على دفتر الشروط فيكون هو المرجع لتوقيع العقد سنداً للمادة 125 من قانون المحاسبة العمومية التي تنص على ما يأتي: «يوضع لكل صفقة.. دفتر شروط خاص تنظمه الإدارة صاحبة العلاقة ويوقعه المرجع الصالح للبت في الصفقة»، وإن اعتبار مجلس الوزراء هو المرجع لتصديق الصفقة منصوص عنه صراحة في دفتر الشروط الخاص (المادة 28): «عند انتهاء جلسة التلزيم يرفع رئيس لجنة التلزيم محضر التلزيم إلى إدارة المناقصات التي ترفعها بدورها إلى مجلس الوزراء وتبلغ هذه النتيجة إلى هيئة إدارة السير والآليات والمركبات لإجراء المقتضى القانوني».

مع التذكير بأن دور هيئة إدارة السير والمركبات الآلية كان محدداً بإعداد دفتر الشروط، وهذا الإعداد لدفتر الشروط لا يوليها صلاحية توقيع العقد بدلاً من وزير الداخلية الذي يعتبر المرجع الصالح بحسب موضوع العقد لتوقيعه بعد موافقة مجلس الوزراء.

وهذا العقد لا يمكن أن يوقّع قبل عرضه على ديوان المحاسبة في إطار الرقابة المسبقة لكون الدولة تخضع إجبارياً لهذه الرقابة وغير معفاةٍ منها، لأنه لا يمكن إعفاء الإدارات الرسمية من الرقابة المسبقة إلا بنصٍ قانونيٍ غير متوفرٍ في حالتنا الراهنة (مثلاً تمّ إعفاء المشاريع الممولة بقروض دولية من الرقابة المسبقة بموجب المادة /60/ من قانون الموازنة العامة للعام 1999 التي نصّت على الآتي: «تطبق في إنفاق اتفاقيات القروض والهبات الخارجية الجارية مع مختلف الادارات والمؤسسات العامة والبلديات الأحكام النظامية المعتمدة لدى الجهة المقرضة، سواء أكان هذا الإنفاق من الجزء المحلي أم من الجزء الأجنبي، على أن تخضع لرقابة ديوان المحاسبة المؤخرة».

وعلى فرض – كما يُقال من دون أن نتبنى – أن هيئة إدارة السير والمركبات الآلية هي التي ستبرم الصفقة، وهي المرجع لتصديق المناقصة وتوقيع العقد، فإنه حتى في هذه الحالة يجب عرض المناقصة على ديوان المحاسبة في إطار رقابته المسبقة، ولا صحة لما يثار من مغالطات أن هذه الهيئة كغيرها من المؤسسات العامة غير خاضعة لرقابة ديوان المحاسبة المسبقة ويستدلّ المغالطون على ذلك من تفسير المادة 26 من النظام العام للمؤسسات العامة (المرسوم الرقم 4517 تاريخ 13/12/1972) التي تنص على أن: «.. تخضع المؤسسات العامة لرقابة ديوان المحاسبة المؤخرة». ويستنتجون بالحيلة والخطأ من هذا النص أن المؤسسات العامة لا تخضع لرقابة ديوان المحاسبة المسبقة، إلا أن هذا الموقف الخاطئ تدحضه الحجج الآتية:

1- إن إخضاع المؤسسات العامة لرقابة ديوان المحاسبة المسبقة مقرر بنصٍ تشريعي، وإن إلغاء هذه الرقابة إنما يجب أن يتمّ صراحة لا أن يؤخذ بالاستنتاج. بل إن ديوان المحاسبة كان حاسماً لجهة طلب استصدار قانون لحجب رقابته المسبقة عن أعمال المؤسسات العامة، حيث أبدى بموجب رأيه الاستشاري الرقم 14/90 تاريخ 20/9/1990 أن: «.. الاكتفاء برقابة ديوان المحاسبة المؤخرة في النطاق المبحوث فيه بما يحجب.. الرقابة ال إدارية المسبقة، فإن مثل هذا الأمر يتطلب اعتماد نص تشريعي يقضي به خلافا لأحكام قانون تنظيم ديوان المحاسبة أو استثناء منها، باعتبار ان شؤون الرقابة الموكولة الى ديوان المحاسبة تدخل في عداد الأمور التشريعية، وان أي إجراء مغاير لها يقتضي اعتماده من قبل السلطة التشريعية، مما لا مجال معه للأخذ به من قبل السلطة التنفيذية بموجب مرسوم بعد موافقة مجلس الوزراء..».

2- إن القانون الصادر بعد أيام من صدور نظام المؤسسات العامة وهو قانون هيئة «أوجيرو» الرقم 21 تاريخ 27/12/1972 عندما أراد إخراج «أوجيرو» من الرقابة المسبقة نصّ صراحة على ذلك باستخدام عبارة تدلّ على ذلك حيث ورد في المادة الثانية منه: «لا تخضع الهيئة في أعمالها إلا لرقابة ديوان المحاسبة المؤخرة..». فالقانون هو الذي حصر رقابة ديوان المحاسبة على هيئة «أوجيرو» بالرقابة المؤخرة، بل جاء النص حاسماً لناحية تحديد الرقابة التي تخضع لها هيئة «أوجيرو»، ولم يصر إلى الاستعانة بالنظام العام للمؤسسات العامة.

3- إن التطبيقات السابقة لا تسعف أصحاب نظرية استبعاد الرقابة، فمثلاً إن المرسوم الرقم 16878 تاريخ 10/7/1964 إنشاء مصلحة كهرباء لبنان قد نصّ في مادته 14 على أن تخضع محاسبة مصلحة كهرباء لبنان للمراقبة المؤخرة من قبل ديوان المحاسبة، ولكن هذا النصّ لم يكن كافياً لاستبعاد رقابة الديوان المسبقة، لذا جاءت المادة 19 حاسمةً بالنصِّ على أن: «لا يخضع نشاط مصلحة كهرباء لبنان الى مراقبة ديوان المحاسبة المسبقة»، فلو كان صحيحاً الزعم أن النص على الرقابة المؤخرة يؤدي تلقائياً إلى استبعاد الرقابة المسبقة لما كانت هناك حاجة لوجود المادة 19.

4- لاحقاً عند إنشاء مؤسسة عامة هي «المجلس اللبناني للاعتماد» بموجب القانون الرقم 572 تاريخ 11/2/2003، فقد أخضعها هذا القانون للنظام العام للمؤسسات العامة، ومع ذلك نصّ في مادته الثالثة على أنها لا تخضع لرقابة ديوان المحاسبة المسبقة. فلو كان هذا النظام يتضمّن ما يفيد خروج المؤسسات العامة من الرقابة المسبقة لما كانت هناك حاجة لإعادة ذكرها في القانون.

5- إن المرسوم الرقم 15604 تاريخ 19/2/1964 الذي لا يزال مرعي الإجراء ينظّم أصول رقابة ديوان المحاسبة على المؤسسات العامة والمصالح المستقلة التابعة للدولة، ويتضمّن هذا النظام نوعي الرقابة المسبقة والمؤخرة.

استناداً لما تقدّم، تخضع مناقصة الميكانيك إلى رقابة ديوان المحاسبة المسبقة، بمعزلٍ عن تعيين المرجع المختص لإبرام الصفقة. وإن هذه الرقابة هي من الأصول الجوهرية بحيث إن المادة 33 من المرسوم الاشتراعي الرقم 82 تاريخ 16/9/1983 قد رتبت عدم نفاذ المعاملة التي لا تجري عليها هذه الرقابة وحظرت على أي موظف وضعها موضع التطبيق تحت طائلة التعرض للعقوبات المقررة في المادتين 60 و61 من المرسوم الاشتراعي المذكور.

كما أن بإمكان أي متضرر مراجعة النيابة العامة لدى ديوان المحاسبة لملاحقة من أبرم أو نفّذ هذه المناقصة قبل موافقة ديوان المحاسبة المسبقة، وبالإمكان أيضاً التقدم بمراجعة أمام مجلس شورى الدولة لإبطال هذه الصفقة لعلة مخالفة الأصول الجوهرية المقررة في القانون.

(]) أستاذ القانون الإداري في الجامعة اللبنانية والمعهد الوطني للإدارة