Site icon IMLebanon

مناقصة الميكانيك: ثلاثة إشكالات قانونية معلّقة

العلية لـ «السفير»: ترك تحديد الرسم للشركات مخالفة دستورية

مناقصة الميكانيك: ثلاثة إشكالات قانونية معلّقة

قبل إطلاق مناقصة دفاتر السوق ودفاتر السيارات في العام 2013، طلب وزير الداخلية السابق مروان شربل من إدارة المناقصات إبداء الرأي، فجاءه الجواب بأن هيئة إدارة السير هي مؤسسة عامة متفرعة من وزارة الداخلية، ولا يدخل في صلاحياتها المحددة في المرسوم 4082 تاريخ 14 تشرين الأول 2000، إجراء المناقصة المتعلقة بهذه الدفاتر.

علة الرأي الاستشاري كانت أن المرسوم المذكور أعطى الهيئة مهام إدارية وتخطيطية تتعلق بما يلي: إدارة إشارات السير ومراقبتها، دراسة هندسة السير، تخطيط السير، التشغيل، تنظيم الوقوف على جانب الطرق والإعلام والتوجيه.

كما تم التأكيد على هذه المهام في المرسوم رقم 11244 الصادر في العام 2003، والمتعلق بتحديد مهام ملاك هيئة إدارة السير، حيث أعطيت الهيئة صلاحيات مالية محددة في مجال دراسة هندسة السير، بالتنسيق مع البلديات. كذلك خوّلها المرسوم إدارة الوقوف على الطريق، بما يشمل إعداد دفاتر شروط وتلزيم وتوريد وتركيب وصيانة وتشغيل عدادات الوقوف.

وعليه، وانطلاقاً من حصر صلاحيات الهيئة بما سبق، فقد خلص رأي إدارة المناقصات آنذاك إلى أن المناقصة (رخص السوق والسيارات) هي من اختصاص وزارة الداخلية التي تتفرع منها هيئة إدارة السير، بما يعنيه ذلك من مسؤولية إدارة المناقصات عن إجراء المناقصة الخاصة بالموضوع المطلوب المشورة فيه. وهو ما أخذ به وزير الداخلية السابق، طالباً من إدارة السير التحضير للمناقصة.

بعد وقت وجيز استقالت حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، فجمّدت المناقصة، قبل أن يُعاد إحياؤها في عهد الحكومة الحالية، مضافاً إليها لوحات السيارات واللاصقات الالكترونية وبرامج المكننة.

الفارق الوحيد والمهم أن يد إدارة المناقصات سُحبت، بسبب ميل وزارة الداخلية إلى تبني وجهة النظر القانونية التي تعتبر أن هيئة إدارة السير هي مؤسسة عامة لها حق إجراء مناقصاتها، بحسب قانون المؤسسات العامة. وبالفعل، فقد أجرت الهيئة المناقصة، التي دمجت فيها خمسة مشاريع ضخمة.

حينها وجّه النائب زياد أسود سؤالاً الى الحكومة على خلفيتها. كما برزت آراء عديدة تطالب الوزارة بتسليم المناقصة إلى إدارة المناقصات أو على الأقل استشارة هيئة التشريع والقضايا في وزارة العدل أو ديوان المحاسبة، قبل تخطي الرأي غير الملزم لإدارة المناقصات.

قرار تسوية

بعد سنتين، تكرر الأمر نفسه مع قرار مجلس الوزراء إجراء مناقصة لإدارة مراكز المعاينة الميكانيكية. من هو صاحب الصلاحية في إجراء المناقصة المتعلقة بخدمة غير مشار إليها ضمن اختصاصات هيئة إدارة السير، إدارة المناقصات أم الهيئة نفسها؟

كان هنالك وجهتا نظر في مجلس الوزراء، الأولى تؤكد أن إدارة المناقصات هي المسؤولة عن إجراء المناقصة التي تدخل في اختصاص وزارة الداخلية. والثانية، وتؤيدها وزارة الداخلية نفسها، تعتبر أن إجراءها حق للهيئة، كونها مؤسسة مستقلة.

كما معظم قرارات مجلس الوزراء، كان التركيز على كيفية الخروج بقرار تسوية يحلّ المشكلة، لا بالسعي إلى رأي قانوني يؤدي إلى إصدار قرار قانوني. وعليه، صدر قرار في 8 نيسان في العام 2014 يسعى إلى التوفيق بين الآراء المختلفة، فتم تكليف إدارة المناقصات بإجراء المناقصة وفقاً لدفتر الشروط الموافق عليه، بعد تعديله في ضوء ملاحظات الوزراء، «على أن تضم لجنة إجراء المناقصة أعضاء تسميهم هيئة إدارة السير».

وبذلك، يكون القرار قد فرض على إدارة المناقصات، للمرة الأولى، أعضاءً لا تختارهم بنفسها. أضف إلى ذلك أن إبلاغها بقرار مجلس الوزراء لم يرفق بتسليمها دفتر الشروط أو ملاحظات الوزراء، بل تبين أن هيئة إدارة السير هي التي قامت بإجراء التعديلات المطلوبة من مجلس الوزراء، والتي كشف لاحقاً أنها لم تأخذ بها كلها، بحسب ما أكدت الهيئة نفسها.

وهو ما كان يحتّم العودة إلى مجلس الوزراء لأخذ موافقته على الصيغة النهائية، بحسب ما ورد في الكتاب الذي أرسله المدير العام لإدارة المناقصات جان العلية إلى وزير الداخلية في 25 تموز الماضي، وكشف النقاب عنه مؤخراً من قبل مجلس شورى الدولة.

ما حصل أن الأمانة العامة لمجلس الوزراء كانت قد أودعت، في 6 تموز العام الماضي، أي بعد ثلاثة أشهر من قرار مجلس الوزراء تقريباً، دفتر الشروط، بصيغته النهائية، بعد أن «عدلته وزارة الداخلية والبلديات».

بدت هذه العبارة بمثابة تأكيد للمعترضين على إعطاء دور لهيئة إدارة السير في إجراء المناقصة، إنطلاقاً من أنه «إذا كانت الوزارة تملك حق التعديل، فهي حكماً لم تعد سلطة الوصاية التي يفترض أن تملك صلاحية التصديق فقط، بما يعني عملياً أن وزارة الداخلية هي صاحبة الاختصاص».

إذا كان ما سبق صحيحاً، فهذا يعني أن الخطأ في المناقصة هو خطأ مشروعية قانونية قبل أن يكون خطأً في الإجراءات، بما يطرح أكثر من سؤال على دور الهيئات الرقابية، التي ذهبت إلى الدخول في معالجة المعايير التقنية المتعلقة بالحصول على شهادة أيزو أو عدد المعاينات…، وتجاهلت البحث في جوهر المشكلة، أي البحث في ما إذا كان قرار مجلس الوزراء رقم 83 مراعياً للقانون أم لا، والذي ألزم إدارة المناقصات تنفيذ مناقصة لم يضع دفتر شروطها ولم يتم الأخذ بكل ملاحظاته عليه.

أضف إلى ذلك أن القرار الأخير لقضاء العجلة في مجلس الشورى اكتفى باعتبار العقد مبرم «ظاهراً» متجنباً الخوض في صلاحية توقيع العقد، انطلاقًا من أنها تشكل «منازعة جدية.. تصب في صلب اختصاص قضاء الأساس».

مراسلة لا تخلق صلاحية

كل ذلك تم تخطيه، وسلكت المناقصة طريقها، وها هي اليوم تدخل حيّذ التنفيذ بالنسبة الى هيئة إدارة السير، التي أعطت أمر مباشرة العمل للشركة الفائزة، بعدما وصلها كتاب المدير العام لإدارة المناقصات جان العلية، معلناً نتيجة فض العروض من قبل لجنة التلزيم، والتي قررت بدورها الأخذ بما جاء في التقرير الفني، «مع التركيز على أن مضمونه، لجهة التقييم ووضع العلامات، يبقى على مسؤولية اللجنة الفنية التي أعدّته».

ثارت ثائرة الشركات المتضررة، لاسيما منها شركة «فال»، على إدارة المناقصات، بسبب «إيداع كامل ملف المناقصة إلى هيئة إدارة السير والآليات والمركبات» في 4 آب الحالي (بعد أسبوع من إعلان نتيجة المناقصة). واعتبرت في كتاب موجه إلى العلية أن «تصرفكم.. شكَّل مخالفة جسيمة لأحكام دفتر شروط المناقصة الواضحة والصريحة ـ ما يؤكد وجود نيّة مبيَّتة ومتعمَّدة من جانبكم للإساءة الى المستدعية».

وبالرغم من أن دفتر الشروط يشير، في المادة 28 منه، إلى أن «يرفع رئيس لجنة التلزيم محضر التلزيم الى ادارة المناقصات التي ترفعها بدورها الى مجلس الوزراء وتُبلغ هذه النتيجة الى هيئة ادارة السير والآليات والمركبات لإجراء المقتضى القانوني»، إلا أن «فال» اعتبرت أن المراسلة الإدارية التي قام بها العلية، كانت السبب وراء توقيع العقد من قبل هيئة إدارة السير.

أما العلية، الذي يوضح لـ«السفير» أن ما قام به هو تطبيق دفتر الشروط وقرار مجلس الوزراء، فأكد أنه، في مطلق الأحوال، فإن إرسال الملف إلى إدارة لا يعطيها صلاحية التوقيع، التي لا تعطى سوى بنص قانوني صريح.

وذكّر العلية بالملاحظات التي وضعها على دفتر الشروط وأرسلها إلى وزير الداخلية، موضحاً أنها لم تتضمن أي اقتراح لأنه لا يحق لمرجع أدنى أن يعطي اقتراحاته لمرجع أعلى إلا بناء على طلبه.

أما التقرير المتعلق بنتيجة المناقصة، فهو بدوره لم يكن سوى تأكيد غير مباشر على أن النتيجة هي بنت دفتر الشروط الذي وضع وطريقة تشكيل اللجان وقرار مجلس الوزراء، وهي عناصر ثلاثة يعتبر العلية أنها لم تراع الأصول القانونية.

كثيرة هي الملفات والاعتراضات الموضوعة أمام الهيئات الرقابية. لكن السؤال الأساسي يبقى: هل يصدر قراراً يبطل فيه نتيجة المناقصة؟ من تابع مجريات المناقصة منذ إطلاقها، يتوقع أن من لم يبطل دفتر الشروط، غير الموافق عليه من مجلس الوزراء، ومن تغاضى عن مخالفة مجلس الوزراء نفسه لتراتبية النصوص، مخالفاً في القرار 83 قانون المحاسبة العمومية وأصول المناقصات، لن يقدم على خطوة من هذا النوع.

من يحدد الرسوم؟

يعود العلية إلى أصل القضية.

هل يحق للشركات أن تستوفي رسماً من المواطنين وتحدد قيمته بنفسها (الرسم المستوفى سيكون، بحسب العرض الرابح، 33 دولاراً، فيما يستوفي المشغل الحالي 22 دولاراً)؟ ليجيب بنفسه أن ذلك حق حصري للمشرّع اللبناني، بحسب المادتين 81 و82 من الدستور، إذ تنص الأولى على أن «تفرض الضرائب العمومية ولا يجوز إحداث ضريبة ما وجبايتها في الجمهورية اللبنانية إلا بموجب قانون شامل تطبق أحكامه على جميع الأراضي اللبنانية من دون استثناء». فيما تنص الثانية على أنه «لا يجوز تعديل ضريبة أو إلغائها إلا بقانون» (اصطلح على تفسير كلمة ضرائب الواردة في الدستور بكونها «التكاليف العامة التي تفرضها الدولة أي الضرائب والرسوم والمنتجات التي تبيعها الدولة كالكهرباء والماء..»).

وعليه، يرى العلية أن ترك الحكومة لحق تحديد الرسم المستوفى على المعاينة الميكانيكية للشركات، هو مخالفة دستورية.