Site icon IMLebanon

مناقصة الميكانيك: دعاوى الإبطال تسابق إجراءات التنفيذ

مساع للحفاظ على الأمر الواقع».. أم «هدر للمال العام»؟

مناقصة الميكانيك: دعاوى الإبطال تسابق إجراءات التنفيذ

انتهت مناقصة تحديث وتشغيل محطات المعاينة الميكانيكية القائمة وبناء وتجهيز وتشغيل محطات جديدة، لكن الخلاف بشأنها لم ينته بعد.

بالنسبة للشركة الرابحة، فقد وصلت المناقصة، التي بدأت مع بداية العام إلى مرحلتها الأخيرة، واستحقت الفوز بعدما قدمت «العرض الفني الأفضل والأكثر دقة واحتراماً لدفتر الشروط»، ولم يعد ينقصها لبدء العمل سوى توقيع وزير الداخلية نهاد المشنوق على نتيجة المناقصة، وإطلاعه مجلس الوزراء عليها.

لكن بالنسبة للمنافسين، ولا سيما تحالف شركات «فال ـ ديكرا ـ سوبال ـ أوري»، فالاعتراض كامل على المناقصة من ألفها إلى يائها، أي من دفتر شروطها إلى نتيجتها. لذلك، هم عادوا مراراً إلى مجلس شورى الدولة وديوان المحاسبة، طالبين «تصويب المسار»، ومركّزين تحديداً على وجوب إلغاء المناقصة لأسباب تبدأ بالتشكيك بتفصيل دفتر الشروط على قياس أحد العارضين، وتنتهي بعدم موافقة مجلس الوزراء على التعديلات التي أجرتها هيئة إدارة السير على دفتر شروط المناقصة.

منذ عشرة أيام، صدرت نتيجة المناقصة (28 تموز)، معلنة فوز تحالف شركات SGS ـ Autospect ـ Securitest ـ Auto securite france ورسا التلزيم عليها بقيمة 44.012 مليون دولار سنوياً، على فترة 10 سنوات، أي بمبلغ إجمالي قيمته 441.2 مليون دولار. حينها، لم يكن قد بقي في المنافسة سوى الشركة الفائزة وشركة «ضومط ـ VIV AUTO» التي قدمت سعراً أعلى بنسبة طفيفة لم تتخط الواحد في المئة (44.616 مليون دولار)، وهو ما شككت به الشركات المتضررة، مشيرة إلى أن حصر المنافسة، في الأساس، بشركتين فقط «كفيل بحد ذاته بإلغاء المناقصة برمتها».

دعاوى إبطال

لم تُلغَ المناقصة، لكن المتضررين، ولا سيما شركة «فال»، قدمت خلال 10 أيام 3 دعاوى، كانت آخرها لديوان المحاسبة في الرابع من الشهر الحالي، معتبرة أن المناقصة مشوبة بمخالفات فادحة، منذ انطلاقتها وحتى إعلان نتائجها، وأن كلا من هذه المخالفات يكفي لإبطالها برمّتها.

الوثيقة الأهم التي تعتبر سند المعترضين الأول هي تلك الرسالة التي تبين أن إدارة المناقصات كانت قد أرسلتها إلى وزير الداخلية والبلديات في 25 تموز 2015، والتي تشير فيها إلى أن دفتر الشروط الذي أرسله إليها وزير الداخلية بتاريخ 14 تموز 2015، بحاجة إلى تعديل، نظراً لوجود «جملة أخطاء وتناقضات تعطّل عمل لجنة التلزيم وتفسح في المجال أمام الاستنساب».

وتفصّل إدارة المناقصات في كتابها المؤلف من 15 صفحة 43 خطأ أو مخالفة، إضافة إلى 20 ملاحظة تتعلق بعناصر المفاضلة «غير القابلة في أحيان كثيرة للقياس، بما يعطي لجنة التقييم سلطة استنسابية، تتعارض مع سلطتها المقيدة في تطبيق أحكام دفتر الشروط».

وإذا كانت إدارة المناقصات قد خلصت حينها إلى ضرورة إعادة صياغة دفتر الشروط وفقاً لما ورد في تقريرها، فإن بيت القصيد بالنسبة للمعترضين هو أن هيئة إدارة السير التي أجرت التعديلات المطلوبة من إدارة المناقصات، لم تعرض دفتر الشروط المعدّل على مجلس الوزراء لأخذ موافقته على صيغته النهائية، بل أحالته إلى إدارة المناقصات لتنفيذ المناقصة على أساسه.

وخلافاً لقرار لجنة التلزيم التي تؤكد السياق القانوني للمناقصة، يشير المعترضون إلى أنه لم يكن بإمكان إدارة السير أن تسير بالمناقصة المعدلة من دون العودة إلى مجلس الوزراء، خصوصا في ظل وجود ملاحظات يزيد عددها على الستين ملاحظة وتتناول مخالفات لقانون المحاسبة العمومية، كما تتعلق بدور لجنة التلزيم في فتح المظاريف وفض العروض وعناصر المفاضلة، وكلها تعديلات جوهرية.

وإذا كانت المطالبات التي سبقت إصدار نتيجة المناقصة، ولا سيما الكتاب الموجه من «فال» إلى ديوان المحاسبة في 25 تموز الماضي، وإلى مجلس شورى الدولة في 27 تموز، قد دعت إلى وقف تنفيذ المناقصة لحين عرض دفتر الشروط المعدل على مجلس الوزراء، فإن المطالبات التي لحقت، ولا سيما الكتاب الموجه إلى ديوان المحاسبة بتاريخ 4 آب الحالي، تدعو إلى إعلان بطلان المناقصة برمّتها، وفتح الغلاف المالي في جلسة علنية يحددها ديوان المحاسبة نفسه.

تضارب مصالح

ويملك المدّعون أكثر من «نقطة قوة»، بحسب تعبيرهم، أبرزها أن اللجنة الفنية لم تُسمّها لجنة التلزيم. كما ضمّت أشخاصاً لا علاقة لهم بالخبرة الفنية وبينهم قاض من مجلس شورى الدولة. كما ثبت أن اللجنة الفنية عمدت إلى فتح الغلافات الفنية من دون حضور العارضين، خلافاً لأحكام دفتر الشروط.

الأهم بحسب تحالف «فال ـ ديكرا ـ سوبال ـ اوري»، أن قرار استبعاده مع تحالفي «جودة ـ أبلوس» و «دنش ـ أوبوس» من المرحلة الفنية وقبل فض عروض الأسعار يعتبر مخالفة لدفتر الشروط الذي لا يميز بين مرحلة فض العروض الفنية وفض العروض المالية. وتوضح مصادر التحالف أنه ما دام العارضون الباقون قد تخطوا مرحلة الشروط الإدارية التي وضعتها لجنة التلزيم، فإنه لا يمكن استبعادها إلا بعد فض كل العروض ودراسة الملفين الفني والمالي معاً، لأنهما يشكلان وحدة متكاملة، وعلى أساسهما معاً توضع العلامات.

من مصادر اللجنة دعوة للمعترضين إلى العودة إلى دفتر الشروط في البندين 22 و23، اللذين يسمحان لها برفض أي عرض لا يستوفي الشروط الفنية. وعليه، فإن اللجنة قامت بواجبها عندما أعلنت استبعاد الشركات غير المستوفية، بغض النظر عن العرض المالي الذي يصبح غير ذي جدوى في هذه الحالة.

لم ير المتضررون في إبقاء لجنة التلزيم على شركتين فقط أي SGS ـ Autospect ـ Securitest ـ Auto securite france و«ضومط ـ Vivauto»، سوى سبب إضافي لإلغاء المناقصة، كون الشركة المذكورة هي الشركة التي انتدبتها الإدارة لمراقبة حسن سير أعمال الميكانيك في لبنان. وقد شاركت في إعداد دفتر الشروط ثم عادت وتقدمت بعرض إلى المناقصة، بما يشكل تضارباً واضحاً للمصالح، يخالف ما ورد في دفتر الشروط.

في المقابل، توضح المصادر أن الشركة لم يعد لها أي علاقة بالمراقبة منذ سنة وشهرين، كما أنها لم تشارك بأي شكل من الأشكال في وضع دفتر الشروط. تستغرب مصادر اللجنة إشارة شركة «فال» إلى تضارب للمصالح في حالة vivauto التي لم يعد لها أي علاقة بالقطاع منذ أكثر من عام، فيما هي نفسها ما تزال تدير القطاع حتى الآن، بما يعني عملياً أنها الأكثر استفادة من موقعها.

عرض خاسر.. أم ربح فائض؟

في تحليلها للوقائع، تشير شركة «فال»، في الاعتراض المرفوع أمام ديوان المحاسبة، إلى أن الغرض من حصر المنافسة وعدم فتح أسعار ثلاثة عارضين كان «التغطية على السعر الفاحش المقدم من الشركة التي رسا عليها الالتزام مؤقتاً».

ومسألة السعر تلك هي التي أخذت الكثير من النقاش، فشركة «فال» التي استُبعدت، كشفت أن السعر الذي قدمته يقل بنحو 200 مليون دولار (خلال عشر سنوات) عن العرض الفائز.

لكن في المقابل، فإن مصدراً في المجموعة الفائزة (SGS ـ Autospect ـ Securitest ـ Auto securite france و «ضومط ـ Vivauto») يشكك بكل ما يحكى عن المبالغ المقدمة، مشيراً إلى أن العرض المقدم بقيمة 25 مليون دولار سنوياً من «فال» وشركائها، (الشركة الفائزة تقدمت بعرض قيمته 44 مليون دولار سنوياً)، هو عرض غير واقعي.

يعود المصدر إلى العقد الحالي، الموقّع مع «فال» نفسها، والذي تبلغ قيمته 22 مليون دولار في السنة (5 ملايين دولار منها بدل ضمان وتأمين للدولة)، ليشير إلى أن عدد الموظفين في المراكز الأربعة الحالية هو 370 موظفاً. ويسأل: هل يُعقل أن يصبح المبلغ 25 مليوناً في السنة فقط، بالرغم من أن عدد الموظفين سيرتفع إلى 1100 موظف وعدد المراكز سيرتفع إلى 17 مركزاً، مع العلم أن العقد يتضمن بناء وتجهيز هذه المراكز؟

ويقول المصدر إن هذا يعني أمراً من اثنين، إما أن «فال» قدمت عرضاً خاسراً وهذا أمر مستغرب أو أنها كانت تربح أموالاً طائلة على مدى 14 عاماً. كما يلفت الانتباه إلى أن دفتر الشروط الحالي يفرض تحسينات عدة على المراكز الداخلية، ولا سيما منها ربط كل المراكز مع هيئة إدارة السير وإعداد نظام متطور للانتظار، إضافة إلى أن مراكز المعاينة على المرافئ البحرية والبرية، ستكون كلفتها باهظة، نظراً لأن متطلبات المعاينة ستكون أكثر دقة.

يوضح مصدر في اللجنة أن العقد الجديد سيشمل 7 ملايين دولار تدخل الى الدولة و4 ملايين دولار ضريبة على القيمة المضافة، ما يعني أن السعر الفعلي لن يزيد عن 33 مليون دولار. وللتذكير، يوضح المصدر أن الشركة التي تدير القطاع حالياً لم تعط الدولة قرشاً إلا بعد انتهاء العقد في العام 2012، حيث صارت تعطي الدولة 5 ملايين دولار، بينما حرمت الدولة من هذه الأموال قبل هذا الوقت.

تمديد للأمر الواقع

بعيداً عن الاتهامات التي يسوقها مصدر الشركة الفائزة بشأن حقيقة عدد السيارات التي تتم معاينتها حالياً، والتي يتم التصريح أن عددها يصل إلى 700 ألف سيارة من أصل 1.9 مليون سيارة موجودة في لبنان، فإنه يرى أن الاعتراضات والدعاوى التي «تمطرها» الشركة الخاسرة على المناقصة، إنما تهدف عملياً إلى تمديد الأمر الواقع (إدارة مراكز المعاينة بالرغم من انتهاء العقد منذ 4 سنوات) الذي يحقق لها أرباحاً هائلة مع كل يوم يمر على بقائها في عملها.

أين المواطن من هذه المعركة؟

تعتبر شركة «فال» أن نتيجة المناقصة ستؤدي حكماً إلى رفع تكلفة معاينة السيارة على المواطنين من 25 دولاراً حالياً إلى نحو 50 دولاراً، بينما تؤكد «الشركة الرابحة مؤقتاً» أن السعر سيكون 30 دولاراً، منها 5 دولارات تذهب إلى الدولة مباشرة.

كيف ستسير الأمور؟ يرى مصدر مطلع أنه في ظل الرؤى المختلفة لكل شركة، فإن العين على مجلس شورى الدولة وديوان المحاسبة، ومن بعدهما ماذا سيقرر مجلس الوزراء،

دفع الميكانيك ثلاث مرّات.. وإلا حُجزت السيارة!

منذ شهر، تكشفت فصول قيام عدد من الموظّفين في مراكز المعاينة الميكانيكية بأعمال السّرقة ببراعة تامّة من خلال استصدار إيصالات وهميّة من دون أن تدخل هذه الرّسوم إلى خزينة الدولة. ولكن المفاجأة الأكبر كانت لدى حوالي 4 آلاف شخص تلقّوا ـ أو سيتلقّون – اتصالات من مكتب مكافحة السرقات الدولية بغية المجيء إلى المقرّ (السرقات الدولية) في محلّة «الشفروليه».

انتظار وخوف قبل معرفة الموضوع: تبين أن ما دفعه هؤلاء من رسوم ميكانيكيّة غير معترف به من قبل الدّولة. خضعوا للتحقيق وسلّموا ما احتفظوا به من أدلّة (إيصالات)، فيما المستغرب أنّ بعضهم مطالَب بدفع الميكانيك عن العام 2013 فيما العام 2015 مسدّد!

ومع ذلك لم ينته الموضوع هنا، وإنّما خيّر المدعوون إلى «المكتب» بين دفع الرسوم مضاعفةً (أي عامين عن كلّ عام غرامة تأخير) أو الادعاء ضدّ مجهول وكلّ من يظهره التّحقيق.

هكذا كُتب على هؤلاء أن يدفعوا الرسوم من جيوبهم ثلاث مرّات (مرّة غير معترف بها ومرتين كغرامات) وإلّا فإنّ الخيار الثاني المتاح ليس أقلّ وطأة، إذ تبقى إشارة الحجز على السيّارة، ما يعني عدم استطاعة مالكها بيعها أو تسجيلها أو التصرّف بها إلى حين الانتهاء من التّحقيق أو دفع الرسوم المدفوعة أصلاً، مع الكسور!

يبرّر المدّعي العام المالي القاضي علي إبراهيم ما يفعله مكتب مكافحة السرقات الدوليّة بـ «أنّنا نعمل قانونيّاً»، مؤكّداً لـ «السفير» أنّ المنظور القانوني يتيح للدّولة التصرّف بهذه الطّريقة «على اعتبار أنّ الأموال التي دفعها المواطنون لم تقبضها الدّولة ولم تدخل إلى خزينتها. وبالتالي، فإنّ الدّولة تطالب بحقوقها».

وبرغم ذلك، لا يُسقط «الريّس» المنظور الإنساني والأخلاقي من هذه القضيّة، ويشير إلى أنّه «يجب أن يجد المعنيون الممثلون بوزارة الدّاخلية وهيئة إدارة السير والآليات والمركبات حلاً على قاعدة «لا يموت الديب ولا يفنى الغنم»، أي من دون إجبار المواطنين على دفع الرسوم مرتين».الذي يحق له إلغاء المناقصة أو تثبيت نتيجتها؟