من خارج النصّ التعبوي المألوف جاء كلام قائد «الحرس الثوري» الإيراني محمد علي جعفري بالأمس، والذي «أوضح» فيه أنّ بلاده هي «مركز المقاومة في مواجهة الهيمنة الأميركية، ومحورها»..
في العادة، يحكي جنرالات «الحرس» وكبار المسؤولين في طهران، كلاماً استطرادياً واسع النطاق والمجال والفحوى. ويبدأ من التغنّي بـ«النفوذ» الممتد من عاصمة إلى أخرى، ومن الحدود المتحركة التي صارت في جنوب لبنان مثلاً! ومن التأثيرات الإشعاعية التي أحدثتها جمهورية «الولي الفقيه» في محيطها وبين أقوام هذا المحيط.. ولا تنتهي عند التركيز على مفردة بلاغية مفادها أنّ طهران «تدعم» ولا «تتدخّل»! وأن البنى التنظيمية والحزبية والسلطوية التي «تدعمها» قائمة في ذاتها وليست وليدة صناعاتها «الثورية» ولا رعايتها الدؤوبة لها في كل مراحل نموها وتطورها!
والتدقيق في ذلك يوصل إلى فهم كيف أن إيران على مدى السنوات الطويلة الماضية «قاتلت» بغير الإيرانيين! ووجّهت «رسائلها» بغير لغتها! وتُتّهم بالوقوف وراء عمليات إرهابية نفّذها أتباع لها لا يحملون هويتها!.. وحتى أنها، برغم أدوارها المكشوفة والمُعلنة في العراق وسوريا، تُصرّ على وصف حَمَلَة جنسيّتها بـ«المستشارين» ولو كانوا بالمئات، وتنفي أي تورّط رسمي مباشر في الميدان!
أي أنها تهتم بالغُنْم وليس بالغُرم! وتحسب حساب تداعيات «تورّطها» المباشر في أي موقعة خارجة عن السياق «الشرعي» للتعامل بين «الدول».. ولا يضيرها ذلك في شيء طالما أنها تحصد «العوائد» وتراكمها، وتستطيع أن تقول إنها «تدعم» المقاومة في جنوب لبنان. وتُشارك في «الحرب على الإرهاب» في العراق وسوريا! وتؤازر «الشرعيتين» فيهما، لكنها تترك لـِ«حزب الله» تحديداً أن «يتولى» المواضيع اليمنية والبحرينية والسعودية! وأن يوسّع «نشاطاته» الموصوفة بـ«الإرهابية» على مساحة تمتد من أميركا الجنوبية إلى جنوب شرق آسيا مروراً بالخليج العربي ولبنان.. إلخ!
بهذا المعنى، وبرغم كل شيء، يُفهم كيف أن واشنطن لم تستطع في ذروة هجومها المضاد على الأداء الإيراني، أن تَجدَ حيثيّات كافية ووقائع دامغة من أجل وضع «الحرس الثوري» على لائحة الإرهاب.. بل صنّفته حسب الإجراءات الأخيرة التي اتخذها الرئيس دونالد ترامب، على أنّه «داعم للإرهاب»! في حين أن «حزب الله» يأخذ بصدره «الواسع» مجمل ذلك الملف المثقل بوقائع كبرى!
في كلام الجنرال جعفري عن محورية ومركزية دور طهران في «مقاومة الهيمنة الأميركية»، شبهة التطوع لحمل بعض الأثقال عن «حزب الله»! والقول لمستهدفيه أنّه ليس سوى «تابع فرعي لمركز» موجود في إيران! وجزء من «مقاومة» محورها في إيران! وإن التركيز عليه وحده لا «يُعالج» المشكلة ولا «يحلّها»!
وهذا في الشكل، كلام في مكانه الصحيح. سوى أنه في المضمون استدراج لِـ«التفاوض» و«النقاش» مع طهران، أكثر من كونه تذكيراً بمحوريّتها «المقاوِمة»! ما يؤكد الاستنتاج القائل، بأنها تحاول راهناً اعتماد سياسة احتوائية وليس صدامية، طالما أنّها تعرف سلفاً نتيجة الخيار الثاني وأكلافه وتداعياته عليها وعلى «مكاسبها» و«إنجازاتها» و«نفوذها»!