لجنة التلزيم تدافع عن قرارها
لا يحجب الخلاف القانوني المستحكم بشأن نتيجة مناقصة الميكانيك، سوى وجه واحد للإشكاليات التي رافقت، وما تزال، تلك المناقصة.
لم يكن الاعتراض الأخير على الجهة المخولة التوقيع على نتيجة المناقصة، مجلس الوزراء أم هيئة إدارة السير، سوى رأس جبل الجليد الذي رافق تلك المناقصة منذ إقرارها في 9 تشرين الأول 2014، ثم المصادقة على دفتر شروطها في 8 نيسان 2015، إلى جلسة فض العروض الإدارية في 6 نيسان 2016، وصولاً إلى مرحلة التقييم الفني التي بدأت في 21 حزيران 2016، فـ 4 آب الحالي الذي شهد تبلّغ هيئة إدارة السير المحضر الأساسي للجنة التلزيم من إدارة المناقصات والمتضمن إرساء التلزيم على «أس جي أس» وشركائها. وهو اليوم نفسه الذي اجتمع فيه مجلس إدارة الهيئة للموافقة على نتيجة المناقصة، قبل أن تصدّق وزارة الداخلية المحضر في 6 آب، ويتم تبليغ الملتزم أمر مباشرة العمل في 8 آب.
لم يمنع الاستعجال في الأيام الأخيرة من استمرار الشكاوى والاعتراضات (آخرها استئناف وكيل شركة «فال» للقرار الصادر عن مجلس شورى الدولة – قضاء العجلة الذي اعتبر أنه لم يعد ذا اختصاص في البت في القضية بعد توقيع العقد «ظاهراً»)، لا بل أخذت شكلاً أكثر حدة مع نزول مجموعات من الحراك إلى الشارع للاعتراض على نتيجتها. فمن حيث، المبدأ، فإن الهدف من أي مناقصة هو الحصول على أفضل الأسعار مقابل أفضل خدمة. وتوأمة هذين العنصرين تساهم نظرياً في حماية المال العام.
هل تحقق هذان العاملان في مناقصة الميكانيك؟
للشركات الخاسرة وجهة نظرها التي تناقض وجهة نظر الشركة الرابحة وهيئة إدارة السير ووزارة الداخلية. لكن الجديد، كان دخول عامل إضافي على الخط هو العامل الشعبي، إذ تداعى ناشطون في حملة «بدنا نحاسب»، يوم السبت، للاعتصام أمام التفتيش المركزي، معلنين أنهم تقدموا بإخبار للنيابة العامة المالية ضد رئيس هيئة التفتيش المركزي، على خلفية ملف تلزيم الميكانيك، متهمين إياه بالاخلال بالواجبات الوظيفية. وأوضحت الحملة أن الملف «يشكل فضيحة موصوفة والملاحظات حوله كثيرة بدءاً من دفتر الشروط الى طريقة فض العروض الى السعر الذي رست عليه المناقصة».
رسمياً، انحصرت المنافسة بين سعرين (44.2 مليون دولار و 44.6 مليون دولار)، فكانت النتيجة فوز السعر الأدنى. لكن خلف هذه الحقيقة، كان هنالك مجموعة من الحقائق، التي أظهرت أن ثمة عروضاً تصل إلى النصف. هكذا أعلنت «فال» أنها تقدمت بعرض بقيمة 22 مليون دولار، فيما ألمحت شركة «أبلوس» إلى تقديمها عرضاً أقل حتى من 22 مليون دولار، فهل يعقل أن يدفع المواطن لقاء الخدمة نفسها 22 مليون دولار إضافية في العام، اذ ستزيد قيمة المعاينة للسيارة السياحية من 22 دولاراً إلى 33 دولاراً؟
بالنسبة للجنة الخبراء التي قيّمت العروض الفنية، فإنها غير معنية بملفات الأسعار التي لم تفتح، لأنه لا يمكن النقاش في السعر المقدم إذا كان الملف الفني لا يراعي دفتر الشروط.
هذه نقطة إشكالية أيضاً. بالنسبة للشركات المتضررة، لا يمكن فصل الملف الفني عن الملف المالي. وطالما أن الشركات تخطت مرحلة الشروط الإدارية، فإن الباقي يفترض أن يخضع لنظام التقييم حسب العلامات، أي أن العرض الفائز لا يتحدد إلا بعد جمع علامات الشقين الفني والمالي معاً.
ذلك أمر لا يعني لجنة التلزيم، فمصادرها تؤكد أن دفتر الشروط في المادة 22-2، لا تجيز فتح الملف المالي إذا لم تحصل الشركة المتقدمة على العلامات التي تؤهلها لذلك في الملف الفني. وتنص المادة حرفياً على أنه «تقوم اللجنة برفض أي عرض غير مطابق ولا يسمح بالتالي بجعله مطابقاً بسحب التحفظات والانحرافات ولا يتم تقييمه مالياً».
وعليه، وبعدما درست لجنة الخبراء العروض وجدت أن عروض شركات «فال» و «أبلوس» و «أوبوس» لا تستوفي الشروط المحددة في دفتر الشروط فضلاً عن تقديمها عروضاً جزئية (تم تطبيق المادة 23-3 التي تنص على أنه «بعد فحص دفتر الشروط والبنود والتقييم الفني إذا تبين أن العرض لا يستوفي الشروط المطلوبة يعتبر مرفوضاَ». وهو ما كان كافياً، بالنسبة للجنة، لعدم تقييم عروضها مالياً.
تخلص مصادر لجنة التلزيم إلى أن فارق الأسعار الذي حكي عنه لا يمكن الاعتداد به علمياً، فطالما أن الأسعار مبنية على ملف تقني غير دقيق أو جزئي، تكون النتيجة تلقائياً تقديم ملف مالي غير دقيق ولا يعبّر عن الكلفة الفعلية، التي ستزداد حكماً لو تم الالتزام بدفتر الشروط.
وعلى سبيل المثال، يشير مصدر في اللجنة إلى أن أحد العارضين لم يقدم عرضاً يتعلق بإعادة تأهيل مراكز الميكانيك الأربعة الحالية وآخر لم يلتزم بعدد الخطوط المحدد في دفتر الشروط.. وعليه، يرى المصدر أن السعر المقدم من الشركة الفائزة هو سعر يتناسب مع الأعمال المطلوبة في دفتر الشروط. كما يوضح أن شركة «فال» كانت تتقاضى 21 مليون دولار في السنة لقاء تشغيل أربعة مراكز فقط واستخدامها 378 موظفاً، فكيف يعقل أن تقدم عرضاً بقيمة 21 مليون دولار لتحديث أربعة مراكز وإنشاء 14 مركزاً جديداً واستخدام 1100 موظف؟
إسقاط قيمة العقد الحالي على المناقصة، مع افتراض أن مداخيل «فال» هي عادلة، ومع الأخذ بالاعتبار زيادة عدد الموظفين إلى 1100 موظف واحتساب كلفة استحداث مراكز جديدة وتحديث المراكز القديمة، بما يشمل قيمة التجهيزات والخطوط والتشغيل والأعمال المدنية، فإن المجموع يصل إلى 52 مليون دولار، بالمقارنة مع 44 مليون دولار هو عرض الشركة الرابحة. لكن تلك الحسبة يعيبها، بحسب المتضررين، أنها لم تأخذ بالاعتبار وجود عروض أخرى تقل بكثير عن العرض الفائز، وتعتبر في الوقت نفسه أن أسعار «فال» الحالية هي أسعار غير مقبولة في الأساس، وبالتالي لا يمكن الركون إليها كقاعدة لدراسة التكلفة المفترضة لإدارة 17 مركز معاينة ميكانيكية.