طغت قضية العسكريين المخطوفين على المشهد السياسي الداخلي الذي انقسم بين المتابعة الحثيثة للحراك «المسيحي» المواكب لملف التسوية الرئاسية والامل المحفوف بالخوف والحذر من عملية التبادل مع جبهة «النصرة» لاطلاق العسكريين الرهائن لديها. واذا كانت المبادرة في ملف التسوية محصورة بالملعب الداخلي خلافا لعملية التبادل، فان مصادر وزارية لاحظت ان التردد يشكل العنوان الابرز في مقاربة الطرح الرئاسي الجديد، واكدت ان هذا الواقع ينسحب بقوة على الاوساط السياسية المسيحية التي ما زالت في اطار خلط الاوراق والمراجعة قبل الانخراط في اي تموضع او اصطفاف معين وجديد من مسألة ترشيح النائب سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية. فحركة اللقاءات التي نشطت في الايام القليلة الماضية ويقودها حزب الكتائب باتجاه الرابية ومعراب وتتركز حول قانون الانتخاب الذي ستبدأ اللجنة النيابية المتخصصة مناقشته في الاسبوع الجاري ،تبدو مرتبطة بشكل وثيق بالملف الرئاسي كما كشفت المصادر الوزارية التي شددت على المبادرة «الحريرية» التي لم تغب عن المباحثات المسيحية – المسيحية»ولو بقيت في اطار السرية والكتمان الشديدين خصوصا من قبل الرابية التي لا تزال تحافظ على الصمت ازاء كل ما يتم تداوله من طروحات ومواقف وتحولات نوعية في مسار الاستحقاق الرئاسي وذلك من قبل كل الاطراف السياسية على حد سواء.
وبصرف النظر عن بعض المواقف الصادرة من قبل شخصيات في فريق الثامن من اذار والتي دعت الى عدم استباق الامور في هذا الشان، فان المصادر الوزارية نفسها لفتت الى ان الاقطاب الموارنة كما بكركي وكذلك فرنجية، يميلون الى عدم التسرع في ابداء الموقف النهائي ازاء الاستحقاق الرئاسي. واعتبرت ان هذا التريث يخفي في طياته «توترا» غير معلن على اكثر من محور وداخل الفريق السياسي الواحد، وخاصة ان الصورة الاقليمية لم تنقشع بالكامل وحتى الساعة وذلك على الرغم من تحركات ديبلوماسية غربية باتجاه بنشعي والتي كان اخرها زيارة القائم بالاعمال الاميركي ريتشارد جونز وبعده زيارة سفيرة الاتحاد الاوروبي كريستينا لاسن.
من هنا اعتبرت المصادر الوزارية ان ازمة الشغور الرئاسي من جهة والتوتر الاقليمي من جهة اخرى يحتمان على كل القوى السياسية وعلى المسيحيين بشكل خاص، التفكير بطرق جدية لتامين مخرج لهذه الازمة وعدم التمسك بالطروحات الخاصة والذي يزيد من تعقيدات الازمة ويفتح الباب على اخطار كبرى لا تستطيع الساحة اللبنانية تحمل تكاليفها. واضافت ان الاجواء الاقليمية وليست فقط الساحة السورية، قد تحولت الى ساحة مواجهة للطائرات الحربية بعدما انخرطت الدول الغربية في تحالف ضد تنظيم «داعش» الارهابي. وبالتالي فقد اشارت الى ان القوى السياسية مجتمعة هي امام منعطف اساسي وهام، اذ سيتحدد بموجبه فيما لو كان لبنان سينجح في النأي بنفسه عن الحرب المدمرة التي بدأت قبل التسوية النهائية في سوريا، او انه سيختار الالتحاق بكل بساطة بساحة الحرب ويصبح ساحة للدمار والركام والصراعات المتعددة. وركزت على وجوب الخروج من حال التخبط والتأزم والاستعداد لمرحلة البناء والتسويات الاقليمية من خلال خيار داخلي بالتسوية والتوافق على مسار انتخاب رئيس للجمهورية واطلاق مرحلة جديدة من العمل المؤسساتي وبناء لبنان من خلال التلاقي على العناوين المطروحة في سلة الحل المعروضة امام كل الفرقاء في 8و14 اذار على حد سواء وليس على فريق سياسي معين.