تستغل أنقرة على نحو فاضح معاناة اللاجئين السوريين الهاربين من الحرب لتحقّق مكاسب اقتصادية وسياسية على حساب الدول الاوروبية المرتبكة حيال التعامل مع أزمة انسانية تتحول أزمات سياسية واقتصادية في عدد من تلك الدول.
تفاوض حكومة أردوغان من موقع قوي. تلوح للأوروبيين بـ”اغراقهم” باللاجئين، فلا تكتفي بلائحة مطالب سخية عرضت عليها، وإنما ترفع سقف المزاد مطالبة بثلاثة مليارات أورو، اضافة الى ثلاثة مليارات أُقرّت لها سابقاً، مقابل التزامها الافساح في المجال لعودة كثيفة للاجئين انتقلوا بطريقة غير شرعية، من اراضيها الى دول اوروبية. بل إن تقارير أوروبية تفيد أنها تبدي استعدادا لقبول بعض من سبق لهم أن جازفوا بحياتهم وانتقلوا الى اليونان بحراً وقدّموا أوراقاً شرعية للحصول على لجوء.
الثابت أن هذه “العودة” لن تكون طوعية للسوريين، ولا شيء يمنع أن تستخدم فيها كل اساليب الاكراه والعنف. وهي تقوم على مبدأ “سوري مقابل سوري” أي أن يستقبل الاتحاد الأوروبي، مباشرة، لاجئاً سورياً من تركيا مقابل كل سوري توافق تركيا على عودته إليها من الجزر اليونانية. وبالطبع لن يقبل السوري الذي خاطر بحياته وربما دفع كل ما لديه للوصول الى اوروبا، بالعودة الى الوراء.
من حق الدول الاوروبية أن تنظم الهجرة الى أراضيها. ومن حقها أن تحمي أمنها ونسيجها الاجتماعي واقتصادها. لكنّ دولاً تتشدق بحقوق الانسان والحرية تتخلى في صفقات كهذه عن كثير من مبادئها.
والمطالب التركية لا تقتصر على المليارات فحسب، وإنما تتعداها الى طلب الغاء تأشيرات الدخول للمواطنين الأتراك الراغبين في دخول دول الاتحاد الأوروبي في رحلات قصيرة، واعادة تحريك المحادثات المتعثرة في شأن انضمام تركيا الى الاتحاد الاوروبي.
هذه الاقتراحات ترمي بحسب داود أوغلو الى انقاذ اللاجئين والتصدي لمهربي البشر و”تؤذن بعهد جديد من العلاقات بين بروكسيل وأنقرة”. ولكن ما لم يقله المسؤول التركي همست به المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فهي تخوّفت على مصير اللاجئين الذين يعادون الى تركيا، آملة في ضمانات اضافية كي يتسنى النظر في طلبات اللجوء الخاصة بـ”العائدين”.
في اجتماع له في بروكسيل مع مسؤولين أوروبيين بينهم رئيس المفوضية الاوروبية جان – كلود يونكر ورئيس المجلس الاوروبي دونالد توسك، هدد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الشهر الماضي بشحن آلاف اللاجئين من مناطق النزاع الى الاتحاد الاوروبي اذا لم تقبل اوروبا طلباته الخاصة بالاسراع في محادثات العضوية وتأشيرات الدخول. فاذا كانت السياسة هي المحرك الوحيد لتركيا في ادارتها لملف اللاجئين، من المعيب أن تتواطأ أوروبا في تحويل هؤلاء النساء والاطفال والشيوخ مجرد بيادق في لعبة الشطرنج الدولية.