IMLebanon

لبنان مُصدِّراً الإرهابَ والمخدِّرات.. والأردن في عيْن العاصفة

 

ليس أمراً عابراً أن يرتبط اسم لبنان في أربع قمم عربية دولية وإقليمية بآفتي الإرهاب والمخدِّرات، وأن تصدر البيانات الختامية لهذه القمم متضمِّنة لازمة التخلّص من هاتين الآفتين كشرط لاستعادة العلاقات الطبيعية معه، مما يعني أنّ انفلاش السلاح غير الشرعي في الإقليم وتصدير المخدرات من الأراضي اللبنانية، أصبحا مشكلةً عربية تستوجب المواجهة، ولم تعودا قضية داخلية يمكن حلّها على طاولات الحوار أو بإجراءات أمنية ذات طابع استعراضي لا يقدّم شيئاً في سبيل وقف الاعتداء من «حزب الله» وبيئته الحاضنة على العالم العربي والمحيط المتوسطي.

 

سقطت صورة لبنان الحضارية التي ميّزته كبلد رائد في مجال الإعلام والتعليم والصحة والسياحة، ليصبح موقعه في البيانات الصادرة عن القمم العربية – الدولية، والعربية العربية، مرتبطاً بتصدير الإرهاب والمخدرات، وهو ما ظهر في أربع قمم متتالية، انعقدت في الآونة الأخيرة، وظهر لبنان في بياناتها الختامية موصوماً بهاتين الآفتين، وكان أوّل هذه البيانات، البيان المشترك الصادر عن لقاء القمة الذي جمع الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، في الرابع من كانون الأول 2021، في الرياض، حيث اتفق الطرفان على «ضرورة حصر السلاح (في لبنان) على مؤسسات الدولة الشرعية، وألا يكون لبنان منطلقاً لأيّ أعمال إرهابية تزعزع أمن واستقرار المنطقة، ومصدراً لتجارة المخدرات».

 

وفي البيان المشترك الصادر عن الإمارات والسعودية بعد لقاء الأمير محمد بن سلمان بالشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة بتاريخ ٨ كانون الأول ٢٠٢١، جاء فيما يتعلق بالشأن اللبناني تأكيد الجانبين «على ضرورة إجراء إصلاحات سياسية واقتصادية شاملة تضمن للبنان تجاوزه لأزماته، وحصر السلاح على مؤسسات الدولة الشرعية، وألا يكون لبنان منطلقاً لأي أعمال إرهابية وحاضنةً للتنظيمات والجماعات التي تستهدف أمن واستقرار المنطقة كحزب الله الإرهابي، ومصدراً لآفة المخدرات المهددة لسلامة المجتمعات في المنطقة والعالم».

 

وفي التاسع من كانون الأول 2021 صدر البيان المشترك بعد لقاء الأمير محمد بن سلمان بأمير قطر الشيخ تميم بن حمد ليتضمّن أنّ الجانبين أكّدا «في الشأن اللبناني أهمية إجراء إصلاحات شاملة تضمن تجاوز لبنان لأزماته، وألاّ يكون لبنان منطلقاً لأي أعمال تزعزع أمن واستقرار المنطقة أو ممراً لتجارة المخدرات».

 

لا بدّ من التذكير هنا بأنّ المملكة العربية السعودية، سبق لها أن قرّرت في شهر نيسان 2021 منع دخول المنتجات الزراعية اللبنانية أو عبورها من أراضيها، بعد إحباط تهريب أكثر من مليوني قرص مخدر مخبأة في شحنات الفواكه اللبنانية.

 

الرئيس نجيب ميقاتي، ترأس بعد القمة السعودية الفرنسية اجتماعاً طارئاً وموسعاً لمتابعة إجراءات تأمين الحدود، وحل المشاكل العالقة مع دول الخليج العربي، قال بعده وزير الداخلية بسام مولوي إنّه «تباحثت مع رئيس الحكومة في الإجراءات المطلوبة»، إلاّ أنّه بدا وكأنّه يتحدّث وحيداً، نظراً لعدم قدرة الحكومة على الاجتماع والتقرير والتنفيذ وتوفير الموارد اللازمة لتفيذ تعهدات رئيسها ووزير داخليتها.

 

أعطى كلام الوزير مولوي إشارة إلى أنّ أصحاب القرار في عالم المخدرات اللبنانية حوّلوا وجهتهم إلى الأردن بعد قرار السعودية وقف الصادرات الزراعية من لبنان. ويسعى هؤلاء لتوسيع الخروقات مستغلين الأزمة الاقتصادية التي يمرّ بها هذا البلد، وتشير المعلومات إلى أنّه أصبحت لديهم قواعد ارتكاز تمكِّنهم من الالتفاف نحو السعودية عبر محطات في بعض المدن الأردنية، وصولاً إلى مناطق حدودية، فضلاً عن استقطاب مهربين من الداخل السعودي إلى هذه المدن، يتولون هم نقل المخدرات إلى المناطق التي يستهدفونها.

 

وحسب خبراء في هذا المجال، فإنّ مافيا المخدرات اللبنانية تتبع خطاً آخر نحو مصر، عبر ميناء العقبة، مستغلة حركة التجارة الزراعية المصرية الأردنية، لتنفذ نحو السوق المصري الواسع، وكذلك نحو السودان.

 

الأردن في عين عاصفة الاستهداف بالمخدرات، ولبنان هو المصدر الواضح، وهو ما أشار إليه وزير الداخلية بسام مولوي عندما كشف عن الشحنة التي صادرتها قوى الأمن الداخلي، وكانت متجهة إلى الأردن، ومنها نحو السعودية، وتشير المعلومات إلى أنّ وسائل التهريب تتراوح بين الجِمال وصولاً إلى الطائرات المسيّرة، التي أسقط الجيش الأردني إحداها في المنطقة الشرقية قادمة من الحدود السورية بتاريخ  21/10/2021، وكشف أنّه أحبط محاولة تهريب كميات من المواد المخدرة محملة بواسطتها «، لتكون هذه المرة الأولى التي يعلن فيها الأردن عن إسقاط طائرة مسيرة يجري استخدامها في تهريب المخدرات.

 

في هذا السياق، ثمة ملاحظات هامة يجب الوقوف عندها، أهمها:

 

بات من المناسب استخدام مصطلحي صناعة وتصدير بدلاً من زراعة وتهريب المخدِّرات. فبعد أن كان «الإنتاج» يقوم على مجموعات تقيم معامل بدائية في الأقبية أو تحت منازل بعض النواب، ويجري تهريبها وفق وسائل تقليدية، أصبحت صناعة المخدِّرات في البيئة الحاضنة لـ»حزب الله» صناعة نوعية، تشمل إنشاء مصانع متطورة تقوم بإنتاج جميع الأنواع والمستويات، وتؤمِّن وسائل التصدير «المبتكرة»، حتى باتت تنافس مصانع أفغانستان ومعاقل الممنوعات في العالم.

 

يستتبع ما تقدّم أنّ هذه الصناعة انتقلت من المجموعات العائلية والعشائرية، إلى المجموعات المنظّمة والمحترِفة، والمتمتعة بالإمكانات الضخمة، والتسهيلات بحكم السلاح والمال، وعلى امتداد الخط من لبنان إلى سوريا، حتى تضرب حدود الأردن وتمتدَّ نحو عمق العالم العربي.

 

يبقى أنّ السؤال الأهمّ الموجه إلى الدولة اللبنانية إذا كانت جادة في مكافحة آفة المخدرات إنتاجاً وتصديراً: لماذا أوقفت عمليات إتلاف زراعة الأفيون في البقاع وبعض مناطق الجنوب، منذ سنوات، وهل تستطيع القوى الأمنية شنّ حملات إتلاف جديدة؟

 

واقع الحال أنّ الدولة عاجزة  تماماً عن مجرّد خطوة الإتلاف، لأنّ قوى الأمر الواقع في البيئة الحاضنة أقوى منها، وبالتالي يصبح الحديث عن الاستجابة للمتطلبات العربية والدولية في هذا الخصوص مجرّد كلام إنشائي لا يرقى إلى مواكبة دفاتر شروط الدعم العربي والدولي.

 

لبنان يغرق في عالم الإرهاب والمخدرات، وهو أخطر التحولات التي تصيب الدول والشعوب الواقعة تحت النفوذ الإيراني، بانتظار مقاومة تبدأ رحلة تحرير طويلة.