Site icon IMLebanon

إبعاد الإرهاب عن«بيئة» الجوع والفقر واجب!

 

 

لا يمكن لمن يراقب حركة القادة الأمنيين ان يستغرب سِعة اطلاعهم على الوقائع السياسية لا بل على الحقائق. وهو أمر يساعدهم على اتخاذ القرارات الأمنية في افضل الظروف لمساعدة السياسيين في اي موقع كانوا لحماية البلد وضمان أمنه واستقراره. ولذلك، من المنطقي إلقاء الضوء على التقويم الأمني لِما يجري في لبنان على اكثر من مستوى. وهذه بعض عناوينه.

 

ليس في القول انّ الأجهزة العسكرية والأمنية تحولت الجهة الضامنة لكل اشكال ومظاهر الاستقرار الذي تنعم البلاد في الحد الأدنى منه ما يدعو الى الإستغراب. ففي الدستور والقوانين يقال انّ القادة العسكريين والأمنيين ينفذون القرار السياسي والقضائي. ولكن متى غاب القرار السياسي الموحّد يحصل ما هو خارج الأطر المؤسساتية، والى دورهم الأمني الرادع والضامن للقانون والعدالة هم الضابطة العدلية يمارسون مهماتهم تحت إشراف قضاة النيابات العامة المختلفة ويعملون بتوجيهاتهم.

 

 

 

هذا ما يقول به الدستور وما تتحدث عنه نصوص القانون، ولكن متى وضع الدستور على الرف وبات تطبيق القانون استنسابياً يفتقد الضوابط والمعايير المحددة لتسود حالات أخرى من الصعب توصيفها بكلمات محددة. وعلى رغم رفض القادة الأمنيين العلني هذا الواقع فإنهم يعترفون بهذه الحقائق في قرارة أنفسهم وعند اختلائهم بمرؤوسيهم، ويشددون على ضمان احترام الضوابط لحماية الأمن والإستقرار والمؤسسات الدستورية لتقوم بواجباتها.

 

 

 

لا مجال هنا لمزيد من النصائح والدروس القانونية والدستورية، إنما هذه مقدمة للحصول على قراءة لِما يجري في لبنان بعيون وألسنة أمنية تلقي الضوء على ما نحن فيه وما هو متوقع في المَديين القريب والبعيد من تطورات تتصل بحاضر البلاد ومستقبلهم.

 

 

 

وفي هذا الإطار، يعترف مرجع امني بأنه لم يقرأ يوماً في الكتب ولم يطّلع من التجارب السابقة ما يعيشه اللبنانيون اليوم، على رغم اعتقاد كثيرين منهم بأنّ التاريخ يعيد نفسه في لبنان كل عقدين او ثلاثة. ولذلك يجد نفسه ومعه رفاقه مضطرّون الى ابتداع المخارج والحلول الممكنة استناداً الى مضمون ما لديهم من تقارير ومعلومات جمعت من كل الأوساط، فتضاف الى ما يَردهم من الخارج وتخضع للتحليل بهدف تقدير النتائج المترتبة عليها وتدارك مخاطر البعض منها منعاً لتجنّبها والسعي الى ما فيه خير البلاد والعباد.

 

 

 

وانطلاقاً من القراءة الأمنية الواقعية لِما يجري يعترف المرجع عينه، بـ«اننا نعيش في ظروف لم يعشها أحد من آبائنا وأجدادنا قبلاً، ولم تكتب اي مذكرات تشير الى ما يحصل، لا في الشؤون السياسية ولا في عالم المال والنقد والإقتصاد ولا في الشؤون البيئية، ولا في شكل علاقاتنا الخارجية وحجم التعاون والتنسيق الذي كان قائماً بنحو متكافىء بين الدول». ويضيف: «لا يمكنني الغوص في كثير من تفاصيل ما يجري وخلفياته، لكن التحذير مما وصلت اليه الأمور. فكل ما نشهده اليوم ليس من صفات اللبنانيين ولا من عاداتهم وثقافتهم، ولم نتوقّع يوماً ان نشهد ما نشهده في اكثر من قطاع ومجال رغم حجم المخاوف التي نَمت منذ ان طرأت المتغيرات الجيو- سياسية والدولتية، التي تسبّبت بها الثورات الشعبية التي ضربت العالم العربي وأدّت الى انهيار بعض الأنظمة من دون بناء البديلة منها، فعَمّت الفوضى فيها وبات التدخل الخارجي امراً مطلوباً، إمّا لحماية ما هو قائم، او لبناء اخرى عوضاً عنها. فلا هذه تحققت ولا تلك قامت، لا بل فقد تعمّقت الخلافات بين أطيافها وتعززت مظاهر الإنفصال، وتقدّم منطق الدويلات غير المتحدة على الدولة الواحدة».

 

 

 

ولا يرغب المرجع الأمني تصنيف ما يشهده لبنان بأيّ من التجارب التي عاشتها أيّ من دول المنطقة، و«لكن الخصوصية اللبنانية تدعونا الى البحث عن البديل المُتمايز عن كل هذه التجارب». وإذ يحاذر الحديث عن «بعض العناوين الحساسة»، يقول: «انّ كثيراً من النصائح التي قدمتها المراجع الأمنية في اكثر من مجال سياسي واقتصادي واجتماعي وصولاً الى ما هو اجتماعي وبيئي وتربوي أُهملت، لا بل ان بعضهم تقصّد القيام بعكس ما اقترحنا».

 

 

 

وعندما فَضّل المرجع حصر الحديث، الذي لم يكن مُعداً للنشر، بالملف الأمني، لفت الى «انّ معظم ما حصل كان متوقعاً. فالتفلّت السياسي وحجم ما بلغته الخلافات البينية في كثير من المجالات تسبّب بما نعيشه من مظاهر الإحتجاج والفوضى التي كان يمكن أن تؤدي الى حال من الفلتان غير المحسوب لولا بعض التدابير والتحذيرات التي تبلّغها مسؤولون وسياسيون وحزبيون من مختلف المواقع للَجم المغامرات الشخصية والتواضع في طلب ما هو مستحيل».

 

 

 

ولا يتجاهل المرجع الأمني ما أدّت اليه علاقات البعض بالدول والأنظمة الخارجية ولا يعفيها من المسؤولية تجاه ما حصل في مرحلة من المراحل، «ولكن ما حصل في الجوار السوري تحديداً وما تسبّب به من نزوح لا يتحمّله اي بلد آخر، دعانا الى اتخاذ كثير من التدابير الحامية للداخل. ورغم المخاطر الأمنية التي يمكن لجمها بعد الحرب على الإرهاب وملاحقة الشبكات الإجرامية، سواء تلك التي ارتبطت بالعدو الإسرائيلي او التكفيري او تلك المنظّمة على مستوى الجريمة العابرة للحدود والأنظمة الدولية أو الإتجار بالبشر والخطف بهدف الفدية ونقل المخدرات والممنوعات وتزوير المستندات، فإنّ أخطرها ما تسبّبت به الأزمة النقدية والمالية والتي انعكست بسرعة على كل وجوه الحياة اليومية للبنانيين ومؤسساتهم وصولاً الى ما يمكن أن يشكّل خطراً على القطاع العام كما الخاص».

 

 

 

وعليه، يقول المرجع «انّ التدابير التي اتّفقت مختلف الأجهزة على تطبيقها لا تقف عند حدود ما هو ظاهر فوق الأرض من تدابير مرئية. فهناك عمل أمني كبير يجري في الكواليس يساوي في نتائجه ما هو مرئي وملحوظ بهدف تحاشي بلوغ المراحل التي لا يمكن العودة عنها. وهو أمر لا يقف عند ضبط الأمن في المناطق التي تشهد حركات الاحتجاج، بل يفرض إجراءات في مواقع أخرى اكثر حساسية وفي المخيمات والتجمعات العشوائية للنازحين وغيرهم بغية منع رصد اي مشروع يقود الى الإرهاب. فالجميع يعرف انّ الارهاب يبحث عن بيئة حاضنة متوافرة حيث الفقر والجوع، وحيث يمكن استغلال عواطف الناس وإثارة الفتن المذهبية والطائفية والفوارق الطبقية. وكل ذلك يجري بغية منع الإرهاب بكل أشكاله من استثمار هذه البيئة. وهنا تكمن المخاطر غير المرئية. امّا ما تبقى من مظاهر الفوضى والخلل الأمني فلربما وجد حلولاً له في المحطات السياسية المقبلة، ولعلّ التشجيع على تشكيل الحكومة العتيدة من الاختصاصيين المستقلّين هو من أولى الأسلحة التي يمكن استخدامها لاستعادة الحركة الطبيعية في لبنان وترميم العلاقات مع الخارج».