IMLebanon

مؤشرات تستنفر القوى الأمنية… و«حزب الله» غير متوتر

 

الوضع السياسي والمعيشي ثغرة قد تنفذ منها مجموعات الإرهاب

 

وضعت القيادات الرسمية السياسية والامنية موضوع الامن تحت المجهر، بعد الكشف عن شبكات ارهابية تعمل منفردة منذ جريمة كفتون – الكورة، وما تلاها من كشف شبكات في عكار وطرابلس. لكن هذه القيادات زادت من إجراءاتها الاحترازية لا سيما خلال فترة الاعياد المجيدة، بناء على تقديرات وليس معطيات او معلومات دقيقة حول إحتمال حصول عمليات امنية او إرهابية تعكّر الوضع الداخلي.

 

وبرغم ما تم كشفه من شبكات فساد ورشى وإختلاس في قوى الامن الداخلي والامن العام، وإستدعاء ضباط  كبار من الجيش الى التحقيق بصفة شهود في صفقات فساد ورشى، فإن ذلك لم يؤثر ابداً على جهوزية هذه المؤسسات الامنية، ولا على طبيعة عملها الاستخباري الاستباقي ولا إجراءات الامن العادية اليومية التي تقوم بها، إذ تم عزل هذه المسائل عن موضوع ملاحقة الفاسدين.

 

وفي السياق نفسه، تحدثت معلومات وتسريبات عن استنفار امني لحزب الله في مناطق انتشاره، تحسباً ايضاً من عمل امني ما او ترقب ضربة اسرائيلية «موضعية»، لكن بحسب المشاهد اليومية في مناطق انتشار الحزب من الجنوب الى  البقاع مروراً بالضاحية الجنوبية، لا توجد مؤشرات ولا مظاهر للإستنفار المزعوم، ولوكانت للحزب طرقه غير المنظورة والهادئة في مراقبة ساحته الداخلية.

 

تفيد مصادر رسمية لـ «اللواء» ان القوى العسكرية والامنية الرسمية تتحوّط فقط لإحتمال تحرك ما في فترة الاعياد للخلايا الارهابية النائمة، وهي تضع المشتبه بهم تحت الرقابة الدائمة وتتقصى المعلومات في كل المناطق عن إحتمال تواجد خلايا إرهابية لتتحرك عند اللزوم لوقفها. اما الحديث عن توترات امنية من جهات داخلية او حتى من قِبَل العدو الاسرائيلي على مستوى واسع، فهو امر مستبعد لأسباب كثيرة، اهمها ان القوى السياسية الداخلية لا مصلحة لها في اي توتير امني يؤثر على جمهورها وعلى وضعه المتهاوي بفعل الازمات المعيشية القائمة. كما ان العدو الاسرائيلي ليس في وارد القيام بعمل عسكري واسع او حتى ضربة عسكرية للبنان او لحزب الله، نتيجة إنشغال قياداته السياسية والامنية في امرين: ضعف الجبهة الداخلية والخلافات الداخلية والتي وصلت الى حد المطالبة بإجراء انتخابات نيابية جديدة. وعمليات التطبيع مع بعض الدول العربية، والتي يسعى الكيان الاسرائيلي من خلالها الى تحقيق إنفتاح تجاري واقتصادي وسياحي، وأي توتير امني او عسكري كبير قد يلجم عملية التطبيع او يوقفها نهائياً.

 

اما المصادر المطلعة على  موقف حزب الله، فتقول: انه غير متوتر داخلياً، بدليل ان حركته العامة طبيعية، ولا سيما حركة نوابه ومسؤوليه ومؤسساته الاجتماعية والصحية والتربوية، لكنه يتحسب طبعاً من عمل امني سرّي قد يُقدم عليه العدو الاسرائيلي، لا سيما ان هناك نوعاً من التماهي والمصالح المشتركة بينه وبين المجموعات الارهابية التي تعمل في الخفاء. لذلك لا يرى الحزب من تهديد امني سوى الخلايات الارهابية النائمة.

 

وتتقاطع معلومات القوى الامنية والرسمية والسياسية على امر اساسي، هو ان الوضع السياسي والمعيشي الهشّ الذي يعيشه لبنان واللبنانيون، قد يُشكل ثغرة يتسلل منها العدو الاسرائيلي والارهابي لإستقطاب ضعاف النفوس او المحتاجين او المتوترين والموتورين او المتطرفين، من اجل تجنيدهم وتدريبهم على عمليات ارهابية في اي مكان مُتاح ويُشكّل خاصرة امنية رخوة. وهذا الامر يُحتّم على السياسيين الاسراع في معالجة الازمات السياسية والحكومية والمعيشية بتدابير مُطمئنة وقابلة للتطبيق. وربما لهذا السبب جرى الحديث في اليومين الماضيين عن ترقب حركة ما تؤدي الى حلحلة ما في الوضع الحكومي، حيث يُرتقب ان يقوم الرئيس المكلف سعد الحريري بزيارة  الى رئيس الجمهورية ميشال عون، قيل انها ربما ستتم اليوم، بما يُسهم في تخفيف التشنج وترييح الوضع، إضافة الى ترقب ما سيصدر اليوم عن الاجتماع الحكومي – المالي من إجراءات حول موضوعي دعم المواد الغذائية واحتياطي مصرف لبنان الإلزامي.

 

 

من يُنزل لبنان عن الشجرة؟

صلاح سلام

 

تتسارع الخطى والمساعي الديبلوماسية في أكثر من منطقة في العالم، على إيقاع الإستعدادات الجارية لدخول الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن إلى البيت الأبيض، وبداية عهد جديد في الإدارة الأميركية، مختلف تماماً عن أسلوب وتفكير الإدارة الترامبية، التي قلبت العديد من قواعد الحكم الأميركية رأساً على عقب.

 

المصالحة الخليجية باتت في حكم المُنجزة، حرب كارباخ وضعت أوزارها بين اذربيجان وأرمينيا، مسلسل التطبيع بين عدد من الدول العربية والدولة العبرية شارف على نهاية المرحلة الراهنة منه، حرب اليمن تلفظ أنفاسها الأخيرة، الوضع في السودان تحرر من الحصار الدولي بعد رفعه عن لائحة الدول الداعمة للإرهاب، الإتحاد الأوروبي يستعد لإعادة الإنتعاش إلى علاقات التحالف مع الولايات المتحدة، بعد الإهتزاز الذي هدد عراها في عهد ترامب، وغيرها من القضايا والملفات الدولية العالقة في دهاليز الديبلوماسية.

 

لبنان وحده بين الدول الغارقة في مشاكلها وأزماتها، مستمر في هدر المزيد من الوقت والفرص المناسبة للخروج من دوامة الإنهيارات الراهنة، رغم كل الضغوط التي تمارسها الدول المانحة، ورغم الإندفاعة الفرنسية المستمرة بجهود ماكرون شخصياً.

 

المؤتمر الدولي لمساعدات لبنان انعقد بعد أيام من الكارثة في مرفأ بيروت، وجمع الرئيس الفرنسي ماكرون ٢٥٠ مليون دولار كدعم فوري من أجل لبنان، شرط أن يتم تأليف حكومة قادرة على تحقيق الإصلاحات المطلوبة. وكان من المقرر أن يُعقد مؤتمر آخر في نهاية تشرين الأول للبحث مع الحكومة الجديدة في الإحتياجات الفورية لوقف التدهور المخيف في الأوضاع المالية والإقتصادية والإجتماعية.

 

إنتهى تشرين، وجاء الرئيس الفرنسي مرة ثانية إلى لبنان لحث المسؤولين اللبنانيين على ترك خلافاتهم التقليدية جانباً، وتشكيل حكومة إصلاح وإنقاذ قبل فوات الأوان. ولكن جهوده لم تلقَ التجاوب المنشود، وكأنه كان يتعاطى مع مجموعة من البشر يعيشون في بلد آخر، ولا همّ لهم سوى الحفاظ على مصالحهم الأنانية، الشخصية والفئوية.

 

أربعة أشهر مضت على وقوع الكارثة، وزيارة ماكرون الأولى والمنظومة السياسية مازالت تُعطل ولادة الحكومة الإصلاحية، ممعنة في سياسة التجاهل والإنكار للمخاطر المدمرة التي تهدد البلاد والعباد، وكل مقومات الدولة المتهالكة أصلاً، بعد هذه الإنهيارات المتتالية في البنية الإقتصادية والإجتماعية، التي طالت تداعياتها الأكثرية الساحقة من اللبنانيين.

 

لم تنفع العقوبات الخارجية في ردع عقلية الإستئثار والفساد المهيمنة على مواقع القرار السياسي، ولم تُحرك المناشدات الخارجية، ولا الضغوطات المختلفة في زحزحة الأطراف السياسية عن متاريس المحاصصة والفساد، حتى تلويح الرئيس الفرنسي بالعقوبات لكل من يُعرقل التأليف لم يؤدِّ الغرض منه، وكأن الرجل وفريقه يتعاطون مع مجموعة من الأصنام التي لا تحس ببرد الشتاء ولا بحرّ الصيف، ولا يعنيها مصير هذا الشعب المنكوب، ومعاناته اليومية في البحث عن لقمة العيش على قارعة الطريق، أو في حاويات النفايات.

 

لا ندري إذا كان اللبنانيون قادرين على الإستمرار في الصبر على هذه الطغمة الحاكمة، حتى يكتب عنها التاريخ الصفحات السوداء، وينعت رجالها بأبشع الصفات، وإلى أن تُلاقي المصير المحتوم في مزبلة الوطن!

 

لم يعد مسموحاً التستّر بالصراعات الإقليمية والدولية، لتبرير هذا الإخفاق في تأليف الحكومة العتيدة، والتلاعب بالشعارات وأساليب شدّ العصب للتغطية على هذا الإفلاس المريع للمنظومة الحاكمة، وفشلها المتفاقم، ليس في وقف التدهور وحسب، بل في حالة الضياع التي سرّعت الإنهيارات، وزعزعة الثقة التاريخية والعالمية التي كان يتمتع بها لبنان، من خلال سمعته الإقتصادية والتجارية الحسنة في العالم.

 

لبنان اليوم أصبح أشبه بوطن معلق فوق الشجرة، تهزه الرياح العاصفة بالإقليم يمنةً ويسرةً، واستسلم حكامه لقدرهم، وتخلوا عن أبسط واجبات الإنقاذ الوطني، رغم ادعاء إلتزامهم بموجبات القسم، ومتطلبات المحافظة على الوطن الجريح والذي يكاد يلفظ أنفاسه الأخيرة.

 

مسلسل الإنهيارات المستمر لن يرحم أحداً، والبلد غير قادر على تضييع المزيد من الفرص وهدر الكثير من الوقت، بحجة انتظار تسلّم الرئيس الأميركي المنتخب صلاحياته، ومعرفة اتجاهات الرياح الأميركية تجاه إيران، ومصير الأوراق التي تلعب بها طهران في المنطقة، لا سيما الورقة اللبنانية، حتى يُبنى على الشيء مقتضاه، وتتقرر تركيبة الحكومة الجديدة.

 

إن إيران وحلفاءها الذين وضعوا لبنان فوق الشجرة حالياً، لقادرون على إيجاد المخارج المناسبة لإعادة البلد إلى الوضع الذي يُمكّن الدولة من القيام بدورها الإنقاذي والإصلاحي المطلوب قبل الوصول إلى مرحلة الإرتطام المخيفة.

 

لن يخسر حزب الله إذا تشكلت حكومة غير سياسية، من أهل الكفاءة والإختصاص، لأن الأكثرية النيابية بين يديه، ويستطيع مع حلفائه السيطرة على اللعبة البرلمانية، وحشر الحكومة في خانة الإستقالة.

 

من سيُبادر إلى إنزال لبنان عن الشجرة: الأطراف السياسية المحلية، أم تدخل قوى خارجية فاعلة؟