IMLebanon

من الإرهاب إلى الإرهاب عنوان القرن الـ21

 

لماذا تلك الدهشة العالمية بعد إعلان الرئيس الأميركي جوزيف بايدن تأجيل انسحاب قوّاته من أفغانستان من دون شروط إلى 11/9/2021، بعدما كان حدّدها دونالد ترامب في 1 أيّار المقبل 2021  وقبله أوباما بنهاية 2014؟

 

لأنّه أراد قرع الانتباه العالمي على الإرهاب بنسف البرجين (11/9/ 2001)، الحدث الذي يفترض بقاء صوره في الأذهان وربطه بالأحداث العظمى. هناك إعتقاد أميركي سائد بأنّه ليس هناك من رقعة في الأرض لا تستطيع أميركا وحلفاؤها من الوصول إليها، وكأنّ العظمة لازمة مقيمة في أذهان من يصعب عليهم فهم إستراتيجيات الدول الكبرى وصناعاتها ومقتنياتها الضخمة بدءاً من عرباتها وبرّاداتها وصولاً إلى أبراجها وطائراتها وحتى مصيبتها التي تفرض عظمتها بحجمها وتجذب الدنيا. لنفترض بأنّ العظمة قلاّدة الأحداث والتحالفات والصراعات في علاقات الدول الكبرى. وهنا ملاحظات:

 

1- أغضب التأجيل طالبان فغرّدوا فوراً بعدم مشاركتهم في مؤتمر اسطنبول (24/4/2021) رافضين أيّ قرارات ستُتّخذ بشأن أفغانستان. سبق وصعّدوا هجماتهم هناك فور توقيع أميركا معهم إتّفاقاً لوقف إطلاق النار في قطر (شباط 2020). قيل في التأجيل أنّ أميركا بايدن تلتزم شعار ترامب: «أميركا أوّلاً»، لأنّها بانسحابها من هناك بعد 20 سنة، لم تحقّق أهدافها وتحالفها مع 40 دولة ودول الناتو. الصورة الطاغية لا نصراً ولا هزيمة، بل عودة أفغانستان اليوم إلى أفغانستان 7/10/2001 تاريخ نشوب أطول حربٍ في تاريخ أميركا مع قوّات الحكومة الأفغانية وقوّات طالبان. هناك كمّ ضخم من التحليلات تدفعني إلى التكهّن بأنّ إعلان الإنسحاب ليس نهاية الإحتلال، بل ربّما هو الحرب المستمرّة على طالبان وحلفائها الإرهابيين من بعد عبر القواعد الأميركية وطاجاكستان وكازاخستان وأوزباكستان بما قد يوقظ حروباً أهلية جديدة في بلدٍ عاش منذ السبعينات مراراتها. ينطوي الإنسحاب بالطبع على استراتيجية مقاومة الإرهاب والتيقّن بأنّ التغيير عسير بواسطة القوّة العسكريّة فقط. تكر أسئلة مستقبلية حول مستقبل الأنثى هناك وحقوقها بالتعليم  ومعاملتها كإنسان بل مستقبل المرأة، وحول القلق الهندي المنتظر من كشمير، وبروز خصومة قوية ستتجدد مع باكستان لعلاقاتها القديمة مع طالبان، وظهور إيراني باعتبار أنّ أفغانستان كانت جزءاً من إمبراطورية فارس القديمة لمستيقظة قي معظم الجهات، لا سيّما وأنّ لأفغانستان غارقة بالفساد وأمراء الحرب جاهزون  بالانتظار.

 

2- أفغانستان نقطة إتّصال استراتيجية قديمة على طريق الحرير (المتجدّد اليوم عبر الصين) بما يبقيها كما كانت منذ الإغريق حاجزاً وعراً في لعبة الأمم يربط آسيا من الجهات الثلاث بين الشرق والغرب والجنوب.

 

3- أضع خطّين بالأحمر: الأوّل تحت 1979 تاريخ الغزو السوفياتي لأفغانستان والثاني تحت 2001 تاريخ الغزو الأميركي لها. حصلت بينهما وستحصل أحداث قد تسمّي القرن الـ21 بـ«قرن الإرهاب». انطلقت في 1979 الثورة الإسلامية في إيران. ولو عدنا نحو الـ1978 لاستقبلتنا تداعيات زيارة الرئيس أنور السادات إلى إسرائيل (19 نوفمبر 1977).

 

ماذا في العام 1978؟

 

أ- راح الرئيس الأميركي جيمي كارتر الأصولي المسيحي، يغذّي طالبان بالأسلحة والمقاومة عبر باكستان تنقلها بطائراتها لتعود محمّلةً بالممنوعات إلى درجة قالت فيها باكستان بأنّها انتصرت في أفغانستان على أميركا بمساعدة أميركا. هكذا يمكننا كشف الأغطية السياسية عن لبّ العلاقات التي تبدو واضحة بين الدول العظمى وتعزيز الأصوليات الدينية.

 

ألم يكن لهذه العلاقات ظهور قوي خلال ولاية الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب عندما راح يبني جداراً مع المكسيك بحجّة عزلها ومنع المهاجرين من التدفّق عبر الحدود إلى بلاده، مع أنّ السبب الأبرز هو في تزّعم المكسيك وكولومبيا عالميّاً تلك الإستراتيجيات في أمور الفساد وتوليد أمراء الحروب؟

 

ب – تجلّت استراتيجية القضاء على الشيوعية والإلحاد «بمدافع لاهوتية» مع الأصولية المسيحية في أميركا في نهاية الـ1978 إلى ذروة تشدّدها في مسائل العقيدة والأخلاق والإيمان بالعصمة الحرفية للكتاب المقدّس في العهدين القديم والجديد والقول بانتظارات العودة الثانية للمخلّص عبر تأسيس جيري فولويل إنطلاقاً من واشنطن حزباً أصوليّاً قويّاً ساد في أميركا باسم «الأغلبية الأخلاقية» وإفتتح فروعاً له في كلّ أنحاء الولايات المتّحدة الأميركية يضمّ مسيحيين ويهوداً وصل عدد المنتسبين إليه  إلى 7 ملايين ووصل جمهوره الذي يتلقّى ويتابع أنشطته إلى 25 مليون أميركي، إذ كان يرسل بالبريد أكثر من 100 مليون رسالة سنوياً من الرئيس الأميركي وكلّ أعضاء الكونغرس وحكام الولايات و90 ألف رجل دين وكبار الصحفيين ومحطات الأخبار المسموعة والمرئية.

 

يتجاوز الإنسحاب عنوانه لتعود أفغانستان إلى أفغانستان بانتظار مخاطر تتجدّد في الشرق الأقصى عبر طالبان وداعش والمجموعات الإرهابية حفظاً على صبغ القرن بالإرهاب.