لن تعوّض المتفرقات التمدّدية و«التصالحية» التي تُعلِن عنها بقايا سلطة الرئيس السابق بشار الأسد، عن الحصاد العام القائل بأنّ تمدّد وتشابك المصالح في الحرب على الإرهاب ونفوذ إيران لن يعنيا بالنسبة الى سوريا إلا شيئاً واحداً: إسدال الستارة الأخيرة على تلك التركيبة التي حكمت «القطر الشقيق» على مدى خمسة عقود وأرجعته خمسة قرون الى الخلف.
ولن تعوّض أخبار الميدان عن خلاصة البيان. وهذا يفيد، برغم النفخ المعاكس، بأن سياقات الحرب على الإرهاب لم تكن جدّية بمثل ما هي عليه اليوم. ولم تكن «جذرية» بقدر ما هي عليه اليوم. وتلك تعني، مجتمعة، مقاربة النتائج والأسباب معاً. والتوقف عن اعتماد توليفة ناقصة، على الطريقة الأوبامية، تضع هذه الظاهرة (الإرهاب) في مكان ملتبس ويشبه البورصة (لمن يشاء). بحيث تتحكّم الانتهازية السياسية بالمبدأ، وتصير الحرب خاضعة لميزان العلاقات مع الإيرانيين تارة ومع الروس وغيرهم تارة أخرى! ويُعلّق العمل باللوائح الرسمية التي وضعتها الإدارة (الأوبامية) للمنظمات الإرهابية؛ طالما أنّ ذلك شأن يخدم الأجندة التفاوضية مع طهران، ولا يزعج قادتها.
وأتذكر مثلما يتذكّر كثيرون غيري، أنّ أوباما قال غداة «تسليم» نوري المالكي، الموصل الى «داعش» في حزيران 2014، أن القضاء على الإرهاب سيأخذ وقتاً طويلاً.. تحدث يومها عن «سنوات»! قبل أن يتبيّن لاحقاً لأولي الألباب، بأنه يتماهى مع مشروع إيران الزاحف نحو تطويع المشرق العربي وتغيير بنيانه الديموغرافي، تحت لافتة «محاربة الجماعات الإرهابية والتكفيرية»!
يمكن الافتراض بسهولة، أنّ تلك سياسة انتهى مفعولها. وأن «التعريف» الراهن لـِ«الإرهاب» وجماعاته وتنظيماته و«أنظمته»، صار واحداً وخاضعاً للمبدئية وليس الانتهازية. وهذا يعني مقاربة بعيدة عن التجارة السياسية تضع الأداء الإيراني الخارجي في سوية واحدة مع أداء «داعش» و«النصرة» مثلاً! وتضع «تاريخ» إيران على مدى العقود الأربعة الماضية، و«القضايا» التي تورّطت فيها من أميركا الجنوبية الى الخليج العربي الى بيروت الى جنوب شرق آسيا، في سلّة واحدة مع انفلاش العمليات الإرهابية في السنوات القليلة المنصرمة على أيدي الجماعات التي تتصدّر المشهد الشيطاني اليوم!
والمقاربة الشاملة تعني تداعيات شاملة. وبشار الأسد في ذلك، جزء من عدّة إيران الخارجية قبل أن يكون جزءاً من السلُّم الذي تستخدمه روسيا للصعود الى العُلى! ومصيره الأخير لن ينفصل عن مآلات المعركة التي فُتحت ضد منصّات النفوذ الإيرانية أينما وُجدت «خارج حدودها الإقليمية»!
والبعض يؤكد (؟) أن إيران تخوض معاركها بأدواتها الخارجية، ولكنها لا تخوض حرباً من أجل تلك الأدوات! ولا تعرّض نظامها لمخاطر جسيمة إذا كان الطرف المقابل جاداً في التصدّي لها! مثلما هو الحال اليوم، مع إدارة دونالد ترامب والتحالف العريض العربي – الإسلامي الذي تقوده المملكة العربية السعودية.. وهي في كل حال، سبق أن تخلّت عن نوري المالكي في لحظة تفاوضية حرجة مع إدارة أوباما، ولن يكون صعباً عليها التخلي عن بشار الأسد في لحظة تصادمية أكثر حرجاً مع إدارة ترامب والمجتمع الدولي بأسره!
الحرب على الإرهاب والنفوذ الخارجي الإيراني ستأخذ رئيس سوريا السابق في طريقها.. وروسيا في هذا المقام لن تكون وفيّة إلاّ لمصالحها الكبرى والاستراتيجية. وهذه بالتأكيد أكبر من الأسد ورعاته في طهران!
القصة كبيرة ومعقّدة، لكنها بالتأكيد لن تأخذ سنوات كي تصغر وتُحلّ، على عكس ما «توقّع» السيئ الذكر باراك أوباما!