IMLebanon

إرهاب وتكفير وحرب إبادة

هناك حرب عالمية على الإرهاب، وأخرى ضد التكفير؛ بالأحرى ضد الإرهابيين وأخرى ضد التكفيريين، دمجت الحربان بقيادة الولايات المتحدة وعضوية دول المنطقة العربية، على اختلاف أنواعها، حتى التي تشترك مع الإرهاب الإسلامي في الأيديولوجيا التأسيسية ـ لكننا لا نعرف حد الإرهاب، ولا نعرف حد التكفير. نعرف فقط انه يراد قتل الكثيرين من شعوب المنطقة. القتل كثير يبلغ درجة الإبادة الجماعية.

أدوات القتل لا تعرف (أو هي تعرف؟) مدى ان هناك من يستخدمها في قضية لا تفهمها. غريب ان الدين يحرم تكفير من نطق بالشهادتين، لكن هذا ما يحدث. الفهم أداته العقل، الإيمان أداته الروح. من يميز بين العقل والروح يقترف خطأ. تعتقد انك بالعقل تفهم وانك بالروح تكسب الدين والدنيا بعد ان تكتنز فائض قوة تتأتى من العزم والشجاعة. أنت تتحلى بكل هذه الصفات، أو تتوهم ذلك، عندما تبني قضيتك على مبدأ الحق، وتؤسس السياسة على ذلك.

الفرق كبير بين أن تتأسس السياسة على الحق، أن تنطلق منه، وبين أن تسعى إلى الحق؛ بين ان يكون الحق مبدأ مكتسباً وبين ان يكون غاية تبلغها مع الكمال أو مع المطلق. عندما تؤسس السياسة على مبدأ الحق لا يبقى الكثير مما يستحق الاعتبار كوسيلة أخلاقية. يكفيك قدر من القوة كي تفعل ما تشاء حتى ولو خالفت مبادئك الأخلاقية وسنن الشريعة. الحق في جيبك، هو رخصة للاقتراف.

عندما تسعى إلى الحق، عندما تعتبره غاية، فإنك على الطريق إلى ذلك مضطر إلى ان تساوم، بل مضطر (ربما) للخضوع للظلم وقبول الشر كجزء من الواقع. الحق هدفك وما قبل الحق ليس خيراً. هو شر، هو طريق مليء بالخطايا والآثام. يتحرك ضميرك ويؤلمك. يتحرك عقلك ويزعجك بالأسئلة والشكوك، وربما وصلت إلى فقدان الثقة بنفسك وبمن خلقها. لكن الإيمان لا بد منه في ليل كافر؛ الليل الكافر شديد العتمة، العتمة شديدة الظلمة. ليس صدفة ان الظلمة والظلم لهما جذر لغوي واحد.

ضع فتحة على الحرف الأول وسكوناً على الحرف الثاني من كلمة ظلم ويصير الأمر متعلقاً بالحب والتقبيل. لكن الحرب على الإرهاب والتكفير ليس فيها إلا الكره والحقد، واحتقار الإنسان. حرب إبادة.

عندما تبدأ سيرتك بمبدأ الحق فأنت ذو عقل مستريح مستسلم. تحتاج لمن يفكر عنك. للفتوى والاستفتاء جذر لغوي واحد أيضاً. يستعمل واحدة المستبد وأخرى المستبد به. بعدهما ومعهما لا تحتاج إلى عقل يفكر، تستنبط أفعالاً كثيرة من مقدمات قليلة. لا حاجة للبرهان والاستقراء. مع الحق كفاية. كفاية الحق تستتبع عقلاً مستريحاً. تجبرك على ذلك؛

العقل الجماعي لا ضمير له. الضمير للفرد، أو لبعض الأفراد. مع الفاشية الدينية يصير العقل الجماعي هو المطلق الوحيد. يخضع الفرد للجماعة. يزول الضمير. تتلاشى الأخلاق.

الجميع سلفيون. بعضهم ينتقي السلف الصالح. بعضهم ينتقي أصحاب الحق. جميعهم يلغي التاريخ. في الانتقائية التلفيقية نفاق وإلغاء للسياسة. يحاصرون أنفسهم بالمبدأ. يعيشون ويموتون من أجل المقولة، ويريدون الموت للآخرين في سبيلها. يتوقفون عن محاولة إدراك نتائج أفعالهم؛ وكل ذلك في سبيل السلف الصالح وأصحاب الحق. يباد الكثيرون. لا بد من ان تنتصر الحقيقة ولو على الأشلاء.

العنوان حرب على الإرهاب والتكفير تديرها قوى عظمى لا يهمها تحديد الإرهاب ولا عدم صحة التكفير. الذين يقاتلون هنا وهنالك أدوات يخدمون المخطط الأكبر ويعتقدون انهم يخدمون إيمانهم. الكره سيد الموقف. الإكراه وسيلة أقل فائدة من القتل. يصير القتل غاية بحد ذاته. لم تنتشر العنصرية (الدينية والعرقية أو غيرها) في أي مكان إلا وكانت النتيجة حرباً أهلية مع إبادات جماعية.

عبر التاريخ كان الإرهاب ممارسة الأنظمة ضد شعوبها، وكان التكفير أيضاً تهمة توجهها السلطات ضد معارضيها. صار كل منهما ممارسة شعبية ـ فاشية أخرى.