IMLebanon

الإرهاب والتناقضات البريطانية

بينما كانت وسائل الإعلام القطرية، سواء التي تبث وتصدر من الدوحة أو من العاصمة البريطانية لندن، تروج لتسريبات نقلها موقع إعلامي أميركي غير معروف يتحدث عن قرصنة واختراق البريد الإلكتروني لسفير الإمارات في واشنطن يوسف العتيبة ظهر بعدها أنها كلها معبرة عن مواقف إماراتية معلنة من حركة «حماس» و «الإخوان» والأطماع القطرية والعلاقات المميزة مع السعودية وتأييد ثورة 30 حزيران (يونيو) في مصر، كان السفير البريطاني في مصر جون كاستين ينشر صوره جالساً في المقاهي المصرية، أو متناولاً إفطاراً رمضانياً مع بعض المصريين في مطعم شعبي، بعدما دوَّن على صفحته على مواقع التواصل الاجتماعي إشادات بالمصريين وحال الأمن في البلاد، مبدياً دعم بلاده الدائم للجهود المصرية في مكافحة الإرهاب والتطرف، بل معتبراً أن الشراكة بين القاهرة ولندن في هذا الأمر ضرورية، كان وزير خارجية بلاده بوريس جونسون ينتقد أسلوب مواجهة السلطات المصرية التطرف والإرهاب، مكرراً كلاماً عن احتضان المتطرفين ودمجهم في المجتمع، ومنتقداً قراراً مصرياً بحجب مواقع إلكترونية تروج للتطرف وتحرّض على الإرهاب وتبرر للإرهابيين أفعالهم وتلمع صورة الجماعات والتنظيمات المتأسلمة كـ «الإخوان المسلمين» و «داعش» و «جبهة النصرة»!!

لم يمنح الإرهابيون الوزير البريطاني فرصة التقاط الأنفاس، أو مراجعة إجراءات احتضان المتطرفين في بلاده، أو التأكد من مسألة الدمج والوقوف على أحوالها، وفاجأوا الرجل باعتداءات تضرب العاصمة البريطانية هي الثالثة خلال ثلاثة أشهر. قواعد اللعبة تتغير بالنسبة إلى الإرهابيين بينما القواعد لدى الغرب عموماً وبريطانيا خصوصاً لم تتغيّر، خصوصاً في منح المتأسلمين غطاءً يسمح بإدارتهم الإرهاب خارج بريطانيا أو التحريض عليه، فكانت النتيجة الطبيعية أن يضرب سرطان الإرهاب بريطانيا نفسها بوتيرة أسرع، هي التي تعاني منذ سنوات أعراض المرض وتكاسلت عن علاجه.

التناقضات البريطانية لا تقف فقط عند رفض الإقرار بأن «الإخوان» جماعة إرهابية وإنما تمتد أيضاً لتشمل التوظيف السياسي للجماعات والتنظيمات الإرهابية والاستخدام السياسي للإرهاب نفسه، فالحكومات المتعاقبة في بريطانيا أبقت على خيوط تربطها مع هذه الجماعات وعلى رأسها «الإخوان»، فهناك فضائيات تنفق عليها قطر تبث على أقمار اصطناعية واستوديواتها معروفة في لندن لكنها مستمرة في التحريض، بل التكفير، وهناك صحف ومواقع إلكترونية لا تنشر إلا الكراهية ضد كل من ينتقد الدوحة أو «الإخوان».

تحتاج بريطانيا ودول أوروبا، بل الغرب كله، إلى قرار سياسي حاسم وصارم بوقف التعامل مع جماعات الإسلام السياسي بمختلف مسمياتها، وتحتاج المجتمعات الأوروبية إلى ضغوط داخلية حتى يتحقق قرار كهذا، لتدرك الحكومات خطر «الإخوان» وبقية التنظيمات، وحتى تُشفى النخب الغربية من مرض الاعتقاد بأن دوافع الإرهاب تكمن في تردي أوضاع الحريات والأزمات السياسية في العالم العربي.

لم تكن هناك أزمات سياسية في الأربعينات من القرن الماضي، لم تكن هناك سورية أو العراق أو ليبيا، لكن كان هناك «الإخوان»، وكان هناك العنف والإرهاب وتغليف المطالب والأهداف السياسية بالدين، كانت هناك حريات ونظم حكم ليبرالية لكن الإسلاميين تآمروا عليها!!

يتحدثون عن المواجهات الفكرية وأن الإرهاب لا يُعالج فقط بالأمن والعمليات العسكرية، ويطالبون بحوارات مع المعتدلين من هذه التنظيمات وتجفيف البركة من الداخل، على رغم أن الغرب يفعل ذلك منذ سنوات والنتيجة انتشار الإرهاب أكثر، بينما الإرهابيون يستغلون هذه الأجواء وينتشرون ويتسربون ويتمددون. المؤكد أن أوروبا لم تشهد ذروة الإرهاب بعد، وللأسف ربما هناك المزيد، فهناك خلايا ما زالت نائمة، وذئاب منفردة جُنّدوا في عواصم غربية عدة يعتبرون أنفسهم ضحايا بفعل ممارسات وسائل إعلام موجودة في لندن!!.