Site icon IMLebanon

الإرهاب و»المجزرة»

مجزرة كبرى ضربت لبنان بالأمس، من يستهدف حُسينيّة في الضاحية الجنوبيّة، يستهدف مسجداً في المملكة العربيّة السعودية، ويستهدف كنيسة عشية عيد الميلاد في الإسكندريّة، كنتُ أظنّ حتى الأمس وقبيل كتابة هذا المقال أنّ «الإرهاب لا دين له»، في لحظة كتابتي لهذه الجملة وقعت الإجابة في رأسي كصاعقة، للإرهاب دين واحد هو «الكفر»!!

منذ صباح الأمس بدا أنّ لبنان وقواه الأمنيّة تحاول أن تدفع بكلّ ما أوتيت من قوّة الشرّ المتربّص بنهار أمس، أخبار الصباح غير المطمئنة شعبة المعلومات أوقفت في عملية خاطفة، شابّاً كان يحمل حزاماً ناسفاً معداً للتفجير، الجيش اللبناني يلقي القبض على إنتحاري في عرسال، ويفكّك عبوة معدّة للتفجير في جبل محسن زنتها عشرة كيلوغرامات، ومساءً لم يكن لبنانيّ واحد ليخطر له أنّ أربعة مجرمين إرهابيّين مدجّجين بأحزمة ناسفة يعدّون العدّة لتنفيذ مجزرة كبرى في شارع مكتظّ بالأبرياء، وحدها العناية الإلهيّة حالت دون نجاح أربعة وحوش بشريّة من تحقيق مبتغاها، نجح اثنان وقتل ثالث وألقي القبض على رابع، ومع هذا؛ كانت الحصيلة حتى لحظة كتابة هذه السطور «مجزرة» حقيقيّة راح ضحيّتها مواطنون أبرياء.

الانخراط في جدال عقيم حول ذهاب حزب الله إلى سوريا وتورّطه في حرب دمويّة هناك، نظرة الى خارطة ما كان يحاك للبنانيّين بالأمس يؤكّد أنّ كلّ لبنان مستهدف، وأن الهدف إشعال فتنة كبرى علويّة ـ سُنيّة ـ شيعيّة، من أقصى شماله إلى أقصى البقاع، إلى الضاحية الجنوبيّة، والدّماء كلّها لبنانيّة على اختلافاتها وانقساماتها السياسيّة، و»المجنون» وحده من يُفكّر في تبرير دوافع هذا الإرهاب، مساء الأمس كانت الدّماء المراقة تشكّل دعوة صارخة للوقوف صفّاً واحداً في وجه الإرهاب الذي عاد يعصف بجنون ووحشيّة!!

ومن دون أدنى شكّ، ثمة من هم أكثر إجراماً من إرهابيّي الأحزمة الناسفة، منهم من سارع إلى نفث سموم الشّماتة معتبراً أنّ تفجيرات الضاحية جزاء خوض حزب الله حرباً في سوريا، ومنهم من هو أكثر إجراماً سارع إلى ترويج فيديو ابتهاج في منطقة الطريق الجديدة بتفجيرات الضاحية، والحقيقية أن هناك من يسعى لإذكاء نيران المذهبيّة التي خَفَتَ «عسُّ» نيرانها في النفوس المشحونة، لذا من واجبنا أن نُحذّر من استغلال جراح العائلات التي أصيبت بالأمس وفجعت بأبنائها وأنفسها وأرزاقها وأطفالها وإذكاء نيران الغضب والحقد ومدّها من لبنان إلى اليمن، لغة المحاور التي لجأ إليه بعض «حثالة» أجهزة مخابرات الوصاية لن تجرّ سوى الويلات على لبنان، وستعيدنا إلى دوّامة «مذهبيّة» نحن بغنى عنها!!

رحم الله ضحايا تفجيرات الأمس الإرهابيّة، وشفى جرحاها، وسكّن روع الآمنين الذين عاشوا ذعراً رهيباً بالأمس وحمى الله لبنان ممّن يريدون به وبنا شرّاً، لم يتنفّس اللبنانيون الصعداء بعد التوتر الذي ساد في الأيام القليلة الماضية، لم يكد اللبنانيّون يتفاءلون بحذر بعد الاتفاق الذي فرّج عنهم قليلاً بانعقاد الجلسة التشريعيّة، حتى أطاحت تفجيرات الأمس ببضع ذرّات أوحت أننا خرجنا من دوّامة القلق والتجاذبات السياسيّة، حتى دهمتنا غيوم سوداء أنهت النهار بنهر من الدّماء…

وبرغم كلّ اختلافنا مع حزب الله، ومن فوق كلّ المسافة التي تفصل بيننا وبينه في كلّ خياراته، نقف معه ومع الضاحية الجنوبيّة بكلّ مناطقها وشوارعها الواسعة والضيّقة، في لحظةِ استهداف فشل «الإرهاب» في جعلها ضربة لحزب الله وبيئته وجمهوره فقط، لأنّ ما حدث بالأمس ضربة موجعة لكلّ لبنان، ولكلّ اللبنانيين، نسأل الله السّلامة لهذا الوطن الصغير من كلّ من يريد به شرّاً ومن إرهاب يريد أن يفتح أبواب جهنّم في وجوهنا جميعاً… لله ما أعطى ولله ما أخذ، والعزاء لكلّ لبنان.