تتّجه الأنظار الداخلية والدولية إلى انعقاد الدورة 69 للجمعية العامة للأمم المتحدة، والتي ستفتتح أعمالها رسمياً في 24 أيلول الجاري في مقرّها في نيويورك. والدورة ستكون محطة مهمّة أمام قادة الدول ورؤساء حكوماتها ووزراء خارجياتها لإجراء مشاورات تتناول التطوّرات في العالم والمنطقة وفي مقدّمها العمل لمكافحة الإرهاب.
ويبدو واضحاً انّ الرئاسة الأميركية لمجلس الأمن لهذا الشهر ستكون لها تأثيراتها في مسار الحركة الديبلوماسية الدولية، حيث سيعقد المجلس في اليوم التالي من الافتتاح، أي في 25 الجاري، جلسة مخصّصة للبحث في مكافحة الإرهاب كما سينعقد اليوم الجمعة لهذه الغاية. إنّما التأثير البالغ لهذه الرئاسة في العمل لاستصدار قرار جديد لا سيما حول سوريا أو الإرهاب، دونه تساؤلات، لأنّ الأمر مرتبط بالموقف الروسي، ومدى سير موسكو بأي توجّهات أميركية. وإذا تمكنت الرئاسة الأميركية من جعل الروس يصوّتون على أي قرار تريده واشنطن، يعني أنّ مساراً معيناً قد تغيّر، وهذا غير واضح أو مؤكد.
أولاً على الصعيد اللبناني، سيرأس رئيس مجلس الوزراء تمام سلام الوفد اللبناني إلى نيويورك حيث يمثّل لبنان في افتتاح أعمال الدورة. وسيلقي في 26 الجاري كلمة لبنان التي ستركّز على مكافحة الإرهاب وعلى ضرورة مساندة الجيش اللبناني للقيام بواجباته في هذا المجال، فضلاً عن دعم لبنان لقرارات الشرعيّة الدولية وتطلّعه إلى انتخاب رئيس للجمهورية في أقرب وقت.
وفي 26 أيلول ايضاً ستنعقد المجموعة الدولية الداعمة للبنان، في حضور سلام، حيث ستؤكد دعمها الكامل لأربعة عناوين رئيسة كانت في صلب مهمّتها العام الماضي حين تأسست، وهي: دعم الاستقرار اللبناني، دعم الجيش، ومساعدة لبنان لمواجهة أعباء السوريين الموجودين قسراً على أراضيه، ودعم الاقتصاد اللبناني، ويشكل انعقادها فرصة أمام لبنان للمطالبة بتفعيله نظراً إلى دقّة الوضع والحاجة إلى دعمها بالكامل وفي شتّى المجالات، وستكون للرئيس سلام لقاءات على هامش أعمال الدورة مع قادة الدول، في مقدّمها لقاءات أميركية.
والأزمات في المنطقة ستأتي في طليعة المباحثات الدولية في نيويورك وفي الخطابات الرسمية. فهناك الوضع العراقي، لا سيما بعد انعقاد المؤتمر الدولي حول العراق في باريس الاثنين الماضي، والدعم الدولي للحكومة ولمحاربة «داعش» ودعم العراق استقراراً واقتصاداً. وسيتم إقناع السنّة في العراق، فضلاً عن الأكراد، لمحاربة هذا التنظيم، وكذلك المعارضة السورية المعتدلة، من أجل محاربته على الأرض، على أن تكون الحرب الدولية عليه من الجو وبواسطة مستشارين على الأرض. وهناك اعتقاد دولي راسخ، وفقاً لمصادر ديبلوماسية، بأنّ في مقدور الدول القضاء عليه، لكن يلزم وقت لذلك، لأنّ المسألة ليست سهلة، نظراً إلى قدراته العسكرية والتمويلية. ومن الآن لغاية انعقاد أعمال الدورة سيكون مسار محاربته أوضح مع الضربات الجوّية والحظر المالي الدولي وفق القرار 2170.
الملف النووي الإيراني سيكون في صلب الاهتمامات الدولية في نيويورك، وبسبب وجود وزراء خارجية مجموعة الـ5+1 ووزير الخارجية الإيراني هناك، ينتظر بحسب المصادر، أن يكون هناك قرار حاسم من إيران حول ما إذا كانت ستقدّم تنازلات في المسألة أم لا. إنّه قرار سياسي إيراني كبير القبول برفع كامل للعقوبات الدولية مقابل التخلي الآن ومستقبلاً عن البرنامج النووي وعن أيّة امكانية لامتلاك القنبلة النووية في وقت لاحق. ولعل المناسبة فرصة لإنهاء الموضوع، مع أنّه لا يزال هناك وقت لانتهاء التفاوض حتى 24 تشرين الثاني المقبل.
الموضوع السوري سيحتل بدوره أهمية كبيرة في النقاشات الدولية. في هذه المرحلة لا يتوقّع حصول اختراق في حلّ الأزمة السورية على المدى القريب، نظراً إلى عاملَين أساسيين، هما: الأولوية لحل مسألة «داعش»، ثم لحصول تغييرات مختلفة على الأرض.
«داعش» دخلت على خط الأزمة السورية، والمجتمع الدولي غير راغب في ترتيب علاقته بالنظام، والمعارضة المعتدلة غير قادرة على الحسم على الأرض. الموفد الدولي لحل الأزمة السورية ستيفان دي ميستورا بدأ جولة له في المنطقة بزيارة سوريا، لكنه، وفق المصادر، لم يقدّم أفكاراً جديدة، إلاّ أنّه سيقصد نيويورك خلال افتتاح الدورة، وسيوضح ما الذي استنتجه من جولته. الآن يسعى إلى بناء علاقات جيّدة مع كل الأفرقاء السوريين، ومن ثم يضع خطة، لكن الوضع السوري لا يزال مقفلاً أمام الحل.
الوضع الفلسطيني سيأخذ حيزاً كبيراً في النقاشات الدولية حيث يبرز المسعى العربي للضغط الدولي على إسرائيل للعودة إلى طاولة التفاوض السلمي. كذلك هناك الوضع في اوكرانيا، فضلاً عن الوضع في ليبيا، وانتشار مرض «ايبولا».