Site icon IMLebanon

إرهاب… ووسادة نووية

 

قال الجنرال المتقاعد: «شاركت في معارك ولا تزال بعض الشظايا في جسدي. لكنني أجد عالم اليوم مخيفاً أكثر من أي يوم سابق. أنا عسكري وليس من السهل أن أقول إنني خائف. في السابق كنتَ تعرف عدوك وموقعه وتذهب إليه. اليوم يمكن أن يطل العدو من أي مكان. كلما سافر أبنائي إلى هذه العاصمة أو تلك أنتظر موعد مغادرتهم بفارغ الصبر. لم يكن لدي في أي مرحلة القلق الذي ينتابني الآن».

ذكرني الجنرال بأن هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001 وقعت قبل ستة عشر عاماً وأن العالم عجز حتى الساعة عن وضع نهاية للحرب التي انطلقت من تلك الشرارة. قال إن تكاليف ما أعقبَ ذلك اليوم الأسود تعادل تكاليف حرب كبرى إذا أُخذ في الاعتبار ما أنفقته أميركا من مئات المليارات في حربي أفغانستان والعراق. لاحظ أن الإرهاب ليس المشكلة الوحيدة، وقال: «هناك انتحاريون يرتدون أحزمة ناسفة، وهناك مجانين يحولون بلدانهم إلى أحزمة ناسفة كما هو الحال مع كيم جونغ – أون».

في كلام الجنرال مقدار غير قليل من الصحة. إننا نعيش في عالم راعب. من يستطيع إحصاء جميع الذين قتلوا في عالم 11 سبتمبر. بانفجار قنبلة هنا أو هناك. حرب جوالة وزعت الجثث على مدن ودول وقارات. ومن يستطيع أيضاً إحصاء المبالغ التي دفعتها الدول لتعزيز إجراءات الأمن في مطاراتها ومدنها وعند حدودها. ومن يستطيع تقدير الخسائر الرهيبة التي تسبب بها الإرهابيون حين استولوا على قرية أو مدينة أو حين تصدروا انتفاضة وأدموا المعارضة قبل النظام.

عالم مخيف فعلاً. معضلات يصعب العثور على حلول لها. ماذا يفعل العالم مثلاً بالزعيم الكوري الشمالي الذي يتمسك بالنوم على وسادة نووية على رغم العقوبات والتهديدات؟ هل من مصلحة العالم فعلاً أن يسترضي هذا الرجل، وأن يتركه متربعاً على ترسانة نووية وصاروخية يصعب تقييدها بأي ضوابط أو اتفاقات؟ وهل تقضي مصلحة العالم بمخاطبة هذا الرجل بالقوة القاهرة والمدمرة والتي لا يمكن أن توفرها إلا الآلة العسكرية الأميركية؟

وماذا عن الصين التي تجري في الأزمة الكورية الشمالية حسابات بالغة التعقيد. لا تريد بكين إغلاق آخر شرايين الحياة للاقتصاد الكوري. تخشى انهيار النظام وتدفق ملايين اللاجئين إلى أراضيها. تخشى أيضاً أن تلقي كوريا الشمالية العارية من كيم بنفسها في أحضان كوريا الجنوبية فيولد عند حدودها لاعب إقليمي كبير حليف للولايات المتحدة. لا تريد أيضاً رؤية النظام الكوري الشمالي يتهاوى تحت ضربات الجيش الأميركي على غرار ما أصاب نظام صدام حسين. لا مصلحة لها في رؤية انتصار أميركي من هذا النوع قرب حدودها يجدد رهان بعض دول المنطقة على المظلة الأميركية.

ملفان كبيران يقضان مضاجع العالم اليوم. شراهة المستبدين إلى السلاح النووي باعتباره «بوليصة تأمين» ضد أي غزو خارجي أو عقاب عسكري دولي أو من قوة كبرى، واستمرار حروب الإرهاب التي شكلت هجمات 11 سبتمبر منعطفاً كبيراً في مسارها وإعادة إطلاقها وتوسيعها.

شاء حظنا العاثر أن يكون الشرق الأوسط مسرحاً لشراهة الإرهاب وأحياناً لشراهة البحث عن «بوليصة تأمين» يمكن توظيفها في عملية الاستمرار في بناء قوة كبرى محلية تنتهك حدود جيرانها أو تصادر قرارهم. أصاب حلم الوسادة النووية صدام والقذافي وتلامذة الخميني. وكثيراً ما اختلطت الشراهتان في الشرق الأوسط.

طرق الرجل باب صدام حسين الذي أذن له بالدخول. قال الرجل: «سيدي هناك شيء يحدث في أميركا. طائرات مدنية تصدم أبراجاً سكنية». طلب منه صدام تشغيل التلفزيون. أداره على «سي إن إن» فطلب الرئيس الانتقال إلى محطة عربية. وعلى شاشة «الجزيرة» راح صدام يتابع المشاهد المروعة. سأله الرجل: «هل يمكن لهذا الحادث أن يؤثر علينا؟». أجاب: «نحن بعيدون تماماً. أغلب الظن أن جريمة من هذا النوع تنفذها منظمة لا دولة. الأرجح أن تكون من صنع القاعدة». لم يخطر ببال صدام يومها أن الزلزال الثاني سيكون على أرض بغداد وسيحمله إلى المشنقة.

كنت في المقهى في عاصمة عربية. وشاءت المصادفة أن يكون الرجل الذي طرق الباب على الطاولة المجاورة. سألني إن كنت الصحافي الذي يكتب أحياناً عن العراق، فأجبت بنعم. قال إن لديه ملاحظات وتوضيحات خدمة للحقيقة وليس دفاعاً عن صدام الذي ارتكب أخطاء كبرى.

روى لي الرجل الذي لازم صدام ثلاثين عاماً من دون أن يكون من عشيرته أو مذهبه حكايات كثيرة بينها واحدة تستحق أن تروى لعلاقتها بالأحلام النووية. قال: «في 13 مايو (أيار) 1981 اتصل السفير الفرنسي في بغداد طالباً موعداً عاجلاً من السيد الرئيس. وكان الأمر غريباً بعض الشيء إذ كان يفترض أن يمر عبر وزارة الخارجية. استدعى صدام وزير الخارجية طارق عزيز وسأله، فقال إنه لا يعرف شيئاً عن الموضوع. وافق صدام في النهاية على استقبال السفير في حضور عزيز».

وأضاف: «أخرج السفير من حقيبته رسالة من الرئيس فاليري جيسكار ديستان يطلب فيها من صدام بإلحاح أن يرسل وزير خارجيته في زيارة سرية تماماً إلى قصر الإليزيه لإبلاغه أمراً مهماً يخص العراق».

وفي قصر الإليزيه قال جيسكار ديستان للوزير العراقي: «لدينا معلومات استخبارية دقيقة أن إسرائيل ستشن خلال أسابيع هجوماً جوياً لتدمير المفاعل النووي العراقي، لكن أجهزتنا لم تتمكن من معرفة الموعد بدقة. الاستخبارات الأميركية تواكب التحضيرات الإسرائيلية». سأله عزيز: «ماذا تستطيعون أن تفعلوا لنا؟». فرد الرئيس الفرنسي: «لا شيء. لقد قمنا بإبلاغكم». وفي نهاية الأسبوع الأول من الشهر التالي دمرت إسرائيل المفاعل الذي كان العراق حصل عليه من فرنسا.

صدق الجنرال، فعالم اليوم مخيف أكثر من عالم البارحة. خسارة «داعش» معاقله في العراق ستعيده إلى لعبة «الخلايا النائمة» و«الذئاب المنفردة»، ومن وقت إلى آخر يطل مستبد ويطالب بحقه في النوم على وسادة نووية.