صادم حتى «بمعاييرنا»، استهداف المجلة الفرنسية الساخرة في قلب باريس. باعتبار أن واقع الحال القائم يجعل من استهداف الصحافيين والإعلام عموماً في المدار العربي والإسلامي شيئاً من عاديات ذلك الواقع، عدا كون الخطر مُلازماً في المبدأ، للعمل في ميادين النزال والقتال وهذه في العموم مُحتكرة في مدارنا إياه برغم مستجدات الحالة الأوكرانية.
وهذه أول مرة يستهدف فيها الإرهاب الأعمى مؤسسة تُعنى بالكلمة، وليس بالرصاص ولا بمشتقاته الحربية، عسكرياً أو أمنياً، في باريس أو غيرها في أوروبا، وبهذا الحجم الكارثي.. وهذه أول مرة تنتقل فيها «آليات» المحاسبة التي تعتمدها الجماعات العَدَمية، من مدارات عملها المتفجرة إلى قلب القارة العجوز، بحيث أن الصدمة المطلوبة لتسويق معادلة القتل في مقابل الرأي (أو الهوية) التي نتجت عن جرائم ذبح الصحافيين الغربيين على أيدي «داعش» في العراق وسوريا خلال الأشهر الماضية، لم تكن كافية في أرضها، لإيصال الرسالة وكان لا بد من رفع درجة الترويع وصولاً إلى العصب الأوروبي ذاته.
الذهاب إلى أهداف مدنية عامة لم يكن ليقدم المردود المطلوب، ذلك عنى سابقاً وكان سيعني راهناً، انه إرهاب عشوائي (متوقع) ودوافعه المزعومة عامة وتتعلق دائماً بتلك البكائية المتعلقة بـ»ممارسات الغرب» ضد العرب والمسلمين. لكن هذه المرة كان الأمر أكثر وضوحاً: الذهاب إلى هدف محدّد ولدافع محدّد هو «محاسبة» من يُفترض أنه «تطاول» على الإسلام!
هذه تتمة دموية في أوروبا لما باشرته (أو استأنفته!) جماعة «داعش» في العراق وسوريا.. وترجمة مخزية لكل «التحليلات» والقراءات التي وضَعت ممارسات تلك الجماعات في دائرة الأحاجي والاستعصاء، أكثر من كونها جزءاً من «الحرب المقدّسة ضد الغرب والكفّار»! وأخطر ما في أمر تلك الممارسات أنها تطرح أسئلة لا أجوبة حاسمة عليها: من يقف فعلياً وعملياً وراء ذلك الإرهاب الاحترافي الممنهج؟ ولماذا استهداف فرنسا، الدولة الأقرب سياسياً وأخلاقياً وميدانياً وثقافياً إلى العرب وقضاياهم وهمومهم؟ ومن الذي يسعى إلى حرق ذلك الوعي الأوروبي الناشئ غداة انتهاء الحرب الباردة، إزاء الظلم اللاحق بالفلسطينيين وصولاً إلى تنامي الثقافة القائلة إن «الضحية» ليست فقط تلك التي مرّت بـ»الهولوكوست»؟! ومن الذي يريد أن تتماهى الحرب على الإرهاب بـ»الحرب على الإسلام»؟!