IMLebanon

إرهاب وشبه جمهورية

دَلّت الأحداث الدموية في فرنسا، خصوصاً ما حصل من جريمة خطرة تعاقب عليها القوانين الدولية والوطنية المرعية الإجراء، أنّ الحرب المفتوحة مع القوى الارهابية وفكرها الشمولي المدمّر مستعرة الى حدودها القصوى.

وهذه الجريمة تهدد بالتأكيد الأمن والسلام العالميَّين وتستحق أكثر من إدانة واستنكار، وهذه مسؤولية أممية وإسلامية صوناً للشراكة الإنسانية بين الأمم والشعوب، وهي تستوجب في كلّ حال إعلان حال طوارئ أممية تستنفر فيها المؤسسات الدينية والجامعية والبحثية لمواجهة هذه الآفة التي أضحت مهدِّدة لاستقرار اجتماعي وسياسي وإنساني.

وحادثة فرنسا هي تحذير خطر حقيقي محدق بالموالفة convivialité بين الثقافات والأديان والمذاهب وفي غير منطقة من العالم. والأدهى أنها ستحوِّل فرنسا العلمانية المطلقة حتى الإلحاد في بعض مجتمعاتها الى جوّ راديكالي ديني وفكري خصوصاً إذا ما تكرّرت أعمال عنفية شبيهة، ممّا سيؤثر على مسار المجتمعات حتى الأكثر تسامحاً وانفتاحاً منها.

نحن بالتأكيد نعيش في ظلّ حرب كونية بمظهر إرهابي مقيت لا يدَّخر جهداً لتقويض السلم الاجتماعي والأمان الإنساني إلّا ويستعمله. والحرب الكونية بعنوانها الإرهابي تنشر رُعبها في العالمين الغربي والشرقي وما مئات الضحايا بالأمس في القامشلي إلّا دليل على أنّ هذا الإرهاب ليس موجَّهاً ضدّ هدف أو أهداف، بل هو شمولي لا تمييز عنده بين منطقة ومنطق وأرض وإنسان.

جريمة فرنسا لا تُهدّد فرنسا فحسب بل تعيدنا الى صور القرون البائدة حيث يُقتل الإنسان ويَقتل باسم الشعارات الزائفة أو من جراء ضغط التلوّث الفكري المُظلم أو تحت تأثير المعاناة الانسانية المستمرة من جراء سوء التنمية المستدامة والتي تستثمرها مجموعات وربما أنظمة سعياً لغايات تدميرية لا حدود لها.

هذا الإرهاب اللامركزي بمراكز قواه وقدراته هو مركزيّ التوجّه مع علامات اختلاف بين بلد وآخر ومجتمع وآخر.

أما جمهورية لبنان المُتعبة بأداء القيّمين عليها ومنذ زمن غير قريب، فتعاني من نتائج الحروب القائمة على الأرض السورية، ولا حلّ لرئاسة لبنان إلّا عبر البوابة الروسية- الأميركية التي تحضّر أطرها عبر حلّ ربما جزئي أو مجتزأ لحرب الأمم في سوريا.

والمشكلة البارزة حالياً تكمن في أنّ شبه الجمهورية التي نعيش في ظلّها قد أضحت ضحية الانتظار القاتل على أمل رئاسة آتية، ولكن لم تأتِ العناصر المستجمعة حتى الساعة بأيّ جديد حسّي وحاسم على هذا الصعيد.

نعم، من الطبيعي أن نسعى الى إجراء انتخابات رئاسية، والمجيء برئيس قادر أن يشكّل مرجعية الحاكم والحكم بلون وطعم وموقف، ولكن من المعيب أن نعلّق كلّ مؤسساتنا على قارعة التوافقات السياسية ومنها ما هو قائم فقط على المصلحة الشخصية والآنية، وهذا مردود في كلّ نظام ديموقراطي مُنتج حسب علم السياسة الحديث.

وأين الانتاجية في شبه الجمهورية المعيوشة ونحن نئنّ تحت طائلة انعدام الوزن والمصداقية، فنحضر القمم العربية والدولية من دون أن نشكّل جسر العبور كرسالة فعلية في السياسة والحوار المجدي؟

وأين الإنتاجية والمؤسسات عاجزة عن السير وعن أيّ حلّ وربط؟

للإجابة على هذين التساؤلين، علينا التوقف عند مَواطن الخلل في الدستور والقوانين وفي كيفية تطبيقها، كما في السياسة المتّبعة.

في الخلاصة، بات الإرهاب المستحكم ببعض المجتمعات الغربية والمتحكم برقاب الشعوب العربية حيث تقوم ثورات وحروب، يشكل عنصرَ ربط نزاع لكلّ صراعات الداخل العامة والخاصة في لبنان وغير لبنان، لأنه خطر وجودي على الكيانات القائمة ولا سيما على كيان لبنان كدولة تعدّدية قائمة على تنوّع وشراكة وموالفة لافتة بشكلها ومضامينها وإن مشرذمة الأطراف، لأنه حتى في ظلّ الجمهورية المتعبة، لم يزل هذا اللبنان يشكل تحدِّياً قويّاً لكلّ فكر شمولي تكفيري ظالم ومظلم.

ومجتمعات الغرب والعرب مدعوّة لا للانجرار وراء مخطط القتل والكراهية بل لمواجهة الحرب الكونية الإرهابية عبر تقوية القوى القادرة وتأهيل البنى التحتية والمجتمعية ودعم التنمية المستدامة لكي تقطع طرق دخول الظلام الى القلوب والضمائر والمجتمعات.