IMLebanon

الإرهاب… وحرب المئة عام!

 

كلّ العالم يدور في دوّامة الإرهاب، ويَرصد أين سيضرب ضربتَه التالية المتوقّعة في أيّ مكان. وأمام خطرِه المتنامي وانفلاشه على مساحة الكرة الأرضية، تتوالى الأسئلة بكلّ اللغات: كيف يُمكن الخلاص من هذا الإرهاب، وما هي الطريقة الأنجع للقضاء عليه؟

الوفود السياسية والديبلوماسية والعسكرية الأجنبية التي تزور لبنان، تعكس ما هو أبعد من القلق من إرهاب كان عابراً للحدود وصار عابراً للقارّات، الجامع بينها الشعور من جهة بجسامة خطر هذا الإرهاب على العالم أجمع، وعلى المجتمعات الغربية بشكل خاص، ومن جهة ثانية، محاولة بلوَرة خطة مواجهة وردع حقيقية، جدّية، ومُجدية. لكن حتى الآن لا يوجد شيء ملموس.

التشخيص الأكثر جرأةً ودلالة للخطر الإرهابي، لخّصَه أحد كبار المسؤولين العسكريين الغربيين، لمسؤول لبناني كبير كما يلي:

– إنّها حرب المئة عام، يخوضها العالم بشكل عام، والمجتمع الغربي بشكل خاص، مع مجموعة تكرَه الغرب تاريخياً، وتناصب العداءَ وتبيح دمَ كلّ ما عداها وكلّ ما هو مختلف معها دينياً وعقائدياً، وحتى ضمن مذهبها».

– المشكلة أنّنا في الغرب الأوروبي والأميركي، لم نقدّر خطرَ تلك الفئات الإرهابية من البداية، وعنصر قوّتها الأساس لا يَكمن في أنّها قادرة على النفاذ من الخارج إلى مجتمعاتنا، بل في أنّها موجودة أصلاً داخل مجتمعاتنا، وأضيفَ إليها عنصر جديد، أي اللاجئون السوريّون.

– فرنسا وبلجيكا وبريطانيا وألمانيا وغيرها تدفع الثمن، ونخشى أن يستمرّ المسلسلُ الإرهابي فيها أو في دول أخرى.

– هناك مسؤولية لا يمكن تجاهلها على دول الغرب، التي لم تفرض الرقابة اللازمة على البيئة التي تجمّعت فيها تلك المجموعات، وخصوصاً على المدارس الدينية التي شرّبَتها الفكرَ التكفيري الإرهابي.

– هناك مسؤولية لا يمكن تجاهلها على بعض دول الغرب، كونها لم تعمد بعد إلى إجراءات احترازية وقائية دفاعية أو تحصينية لداخلها، سواء بإجراءات وتدابير أمنية وعسكرية، أو عبر تخصيص نسبة %2 أو %3 من دخلها لحماية أمنِها القومي. على غرار ما تقوم به مثلاً الولايات المتحدة الأميركية.

ربطاً بهذا الأمر، أبلغَ المسؤول العسكري الغربي، المسؤول اللبناني ما حَرفيّته: «هل تعلم أنّهم، (والمقصود هنا فرنسا وبلجيكا وبعض دول الغرب) يَستعينون بالتنصّت الأميركي. علماً أنّ المسؤول الغربي المذكور يعتبر أنّ أيّ مكان في العالم قد لا يكون بمنأى عن الإرهاب، خصوصاً مع تبدّل الأساليب، من العبوات الناسفة البدائية، إلى العبوات الحديثة، إلى الأحزمة الناسفة، إلى الطعن، إلى الدهس، وإلى ما يمكن أن يَبتكره العقل التكفيري.

– اللافت للانتباه في تشخيص المسؤول الغربي، هو الإشادة بالجيش اللبناني والإنجازات التي حقّقها في حربه على الإرهاب.

هنا ردَّ المسؤول اللبناني: «نخوض هذه الحرب بإمكانيات متواضعة، إنّما بإرادة وعزم قويَين، فقدّمنا تضحيات وحقّقنا إنجازات كبرى، أهمّها أنّنا أحبَطنا مخططاته وكسرنا هدفَه في جعلِ لبنان إمارة له، ومع ذلك نحن نقارب الأمور بموضوعية شديدة، إذ مع كلّ ما أنجَزه الجيش وسائر الأجهزة الأمنية، يمكننا القول إنّ لبنان قطعَ نصف الطريق في حربه على الإرهاب، يمكننا القول إنّنا أضعفناه وحدّينا من حركته، وصار تحت مرمى نيراننا وتحت عين الرصد الدقيق والحثيث.

ولكن لا نستطيع أن نقول إنّ كلّ شيء انتهى، بل نقول إنّ القلق ما يزال موجوداً، ولا يجب أن نتجاهله ونسترخيَ وننام على حرير، فهذا العدوّ خطير ويمكن أن يتسلّل في أيّ لحظة ويغدر بالمواطنين.

ولحَظ ردُّ المسؤول أيضاً أنّ أوروبا كلّها عرضةٌ للغدر الإرهابي، وتعرُّضها لاعتداء إرهابي وارد في أية لحظة، وهو ما فرَض عليها محاولة بناء استراتيجية جديدة لمحاربة هذا الإرهاب الذي يتهدّدها، لبنان سبق أوروبا في حربه على الإرهاب، وأمّا هي فما زالت في بداية الطريق لكي تحدّد سبلَ المواجهة الفاعلة لهذا الإرهاب.

ولحَظ أيضاً التذكير بأنّ الاجتماعات العسكرية التي كانت تُعقد على مستوى قادة جيوش دول التحالف الدولي ضدّ الإرهاب، كان لبنان حاضراً فيها ممثَّلاً بقائد الجيش العماد جان قهوجي الذي حرصَ في كلّ اجتماع على إعطاء لبنان والجيش نموذجاً في الحرب على الإرهاب.

وكذلك على التأكيد أنّه «لا بدّ من القضاء نهائياً على الإرهاب، وليس جزئياً، علّمتنا التجربة في لبنان أنّ هذا الإرهاب كالزئبق، إن لم تستأصلوه نهائياً في عقر داره فسيتمدّد ويصل إليكم، كما أنّ ضربَه من الجوّ لن يجدي نفعاً، أقصى ما يمكن أن يتحقق من القصف الجوّي هو أن تلحقوا بعض الأذى به، لكنّ الفاعلية الحقيقية للقضاء عليه لها طريق وحيد، هي النزول إليه ومواجهته مباشرةً على الأرض.

على أنّ هذه المواجهة المباشرة، والكلام للمسؤول اللبناني، ينبغي أن تقترن باعتماد استراتيجية جديدة لمحاربة هذا الإرهاب، لا تقوم على ضربِه في الميدان فحسب، بل استراتيجية متكاملة لمواجهته ميدانياً… وفكرياً.