IMLebanon

الإرهاب ينقل المعركة من الجرود الى الداخل لإشاحة النظر عن إخفاقاته على الحدود

باستثناء مكانه وموقعه فان التفجير الذي وقع في جبل محسن لم يفاجىء العارفين في الأمن والسياسة، فكل المؤشرات كانت تدل الى وقوع حدث امني سواء عبر تفجير انتحاري او غيره حيث ان الأجهزة الامنية تتابع ويجري البحث منذ حوالى اسبوعين عن سيارتين رباعيتا الدفع معدتان للتفجير في احدى المناطق اللبنانية وهذا ما جعل الاجهزة الامنية ترفع من مستوى جهوزيتها الى الحد الاقصى في فترة الاعياد كما لجأ حزب الله الى زيادة مستوى حذره واجراءاته الاحترازية في الضاحية الجنوبية وبعض المناطق الشيعية الحساسة، ولكن المفاجأة اتت في الاستهداف الاجرامي في جبل محسن والذي كان الهدف الأسهل بالنسبة الى الارهابيين والى تخطيط وتنفيذ «جبهة النصرة» لتركيز المخاوف في مكان آخر، وهذا الانفجار في تقدير اوساط مراقبة حمل عدة رسائل الى الداخل، إضافة الى العديد من المؤشرات التي تدل على المأزق الذي يمر به مسلحو «داعش» و«النصرة» المحاصرين في الجرود وسط الصقيع والبرد ونتيجة الطوق الامني المفروض عليهم من الجيش وحزب الله.

فرسائل جبل محسن تختصرها اوساط سياسية مطلعة بان التفجير يأتي رداً على حوار حزب الله والمستقبل ونتيجة الأجواء الإيجابية التي سترشح عن تقارب الخصمين السياسيين في حزب الله والمستقبل بعدما كشف الأمين العام لحزب الله عن ارتياحه لمسار الحوار وانعكاساته على الساحة الداخلية وتعبير سعد الحريري في اكثر من مناسبة عن رغبته في تحقيق خطوات عملانية لتحصين الوضع اللبناني وابعاد شبح الفتنة، وبالتالي فان التفجير من جبل محسن بالذات المنطقة الملاصقة والمتداخلة مع مدينة طربلس ووقوع الانفجار على بعد امتار قليلة تفصل بين الجبل العلوي وباب التبانة او منطقة المنكوبين التي ينتمي اليها الانتحاريين يهدف الى اعادة رفع منسوب التشنج بين البيئتين اللتين خضعتا لامتحانات امنية صعبة في المرحلة الماضية بعد تفجير المسجدين في طرابلس وفرض أمن المحاور وما جرى من اطلاق نار على الأرجل واحداث امنية هدفت الى ايقاع الفتنة في اكثر من محطة بين الطرفين، وبالتالي فان التفجير في جبل محسن يصب في خانة اعادة صب الزيت فوق النار وتأجيج التشنج والفتنة النائمة وايقاظها من سباتها وهذا ما سعت اليه «النصرة» بتجنيد «ارهابيين» اثنين من «جيران» جبل محسن لاستثارة ردود فعل وتجييش الشارعين المتجاورين.

من جهة ثانية يمكن قراءة ابعاد اخرى لتفجير جبل محسن، كما تضيف الاوساط، وهي الابعاد الأكثر واقعية فـ «النصرة» و«داعش» تعيشان مأزق الحصار في الجرود والتنظيمان اثبتا عجزهما عن تحقيق اختراقات ميدانية لمواقع سيطرة الجيش اللبناني او حزب الله، فالمعروف والمتداول ان «داعش» كانت تحضر وتحشد المقاتلين والامكانيات اللوجستية تحضيراً لمعركة ما او لعملية نوعية ربما تكون بعض البلدات البقاعية مسرحاً لها، لكن ثبت بعد تكرار عدد من العمليات الفاشلة لها وفي الوضع الميداني عدم قدرة التنظيمين على تحقيق تقدم نتيجة الطوق الامني المفروض من الجيش وحزب الله من جهة ومن الإجراءات الامنية الوقائية في البلدات التي كانت تتخوف وتتحسب لعمل ارهابي فعمدت الى المزيد من التحصينات والاستعداد لأي طارىء، وعليه ثبت عجز وفشل الارهابيين في فك الحصار عنهم وعدم قدرتهم على القيام وتسجيل ضربة نوعية في عرسال ومحيطها، فالجيش الذي تعرضت مواقعه العسكرية لهجومات انتحارية في عرسال وفي ضهر البيدر ووقع عدد من عناصره اسرى لدى داعش والنصرة يتحسب لكل الاحتمالات، وحزب الله الذي اختبر تكتيك المسلحين في سوريا والهجوم على موقعه في عسال الورد جاهز للتصدي لاي تحرك مرتقب للمسلحين . وعليه بعدما ثبت ان جبهة عرسال والحدود الشرقية ممسوكتان الى حد كبير، عمد الارهابيون الى تغيير قواعد اللعبة ونقل المعركة الى موقع آخر لم يكن في الحسبان فكانت النتيجة تفجير جبل محسن والمقهى الذي يعج بالرواد لإلحاق اكبر أذى بعدما بات دخول الضاحية اكثر صعوبة وعصياً الى حد ما على الارهابيين فلجأ الارهابيون الى السيناريوهات الفجائية في مواقع واهداف غير متوقعة مثل جبل محسن والتي يمكن ان تسبب ترددات على الساحة في منطقة تعيش احتقاناً مدفوناً وفي زمن الحوار بين حزب الله والمستقبل..

وتفجير جبل محسن يصح فيه مقولة استفاقة الخلايا النائمة المنتشرة في المناطق والتي يمكن ان تتحول الى خلايا يقظة في اي وقت فما تمتلكه الاجهزة الامنية من وثائق ومعلومات وما تظهره التحقيقات مع الموقوفين يظهر حقائق مرعبة ومخيفة حول حجم الارهاب وتغلغله وحول عدد الارهابيين المنتشرين في المناطق وصلتهم بالتحضير والتخطيط لاعمال ارهابية خطيرة، فمشهد الحوار الداخلي والتقارب بين حزب الله والمستقبل بصورة خاصة لا يرضي المسلحين ولا يعتبر عاملاً ايجابياً لصالحهم . ويبقى السؤال هل يكون انفجار جبل محسن مقدمة او فاتحة العودة الى المسلسل الدراماتيكي والمأساوي الذي شهده لبنان في ظل الاختناق الذي يمر به المسلحون المحاصرون في البرد والصقيع.