قد يكون من المبالغة في لا تحمل المسؤوليات، واستسهال النظر الى المجزرة المروعة التي استهدفت (يوم الجمعة الماضي) مسجد الروضة، في المنطقة الواقعة بين مدينتي بئر العبد والعريش، شمال سيناء، وأدت الى مقتل ٣٠٥ مصلين وجرح ١٢٨ آخرين بينهم ما لا يقل عن ثلاثين طفلاً.. وذلك على الرغم من أنها ليست المرة الاولى، منذ سنوات، تستهدف فيها مراكز العبادة المسيحية والاسلامية، سواء بسواء، وقضى فيها المئات.. خصوصاً وان المستفيد الاول والاخير مما يحدث من عمليات إرهابية، تجاوزت حدود الطوائف والمذاهب والدول والمحيطات، هم.. هم إياهم، الذين لا يعرفون الله، ولا يعرفون الانجيل، ولا يعرفون القرآن، ولا يمتون الى الانسانية – لا من قريب ولا من بعيد، بصلة..
حتى الآن، لم يعلن أي تنظيم إرهابي أو جهة مسؤوليته عن الجريمة النكراء، المدانة وبكل التعابير.. وان كانت وسائل اعلام مصرية أشارت، نقلاً عن مسؤولين امنيين، ان القتلة كانوا يحملون رايات «داعش»؟!
إنه التحدي الأكبر، ليس لمصر العروبة ولجيشها ولقادتها واحزابها وتنظيماتها وشعبها فحسب، بل للانسانية جمعاء.. فإن تصل التطورات الى هذا المستوى فمسألة بالغة الخطورة، تجاوزت كل الاعراف والتقاليد ومبادئ وقيم الدين الحنيف، التي تقوم على قاعدة «ومن يتبدل الكفر بالايمان فقد ضل سواء السبيل..» و»قولوا آمنا بالله، وما انزل الينا وما أنزل الى ابراهيم واسماعيل واسحاق ويعقوب والاسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون، لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون..» و»الفتنة أكبر من القتل..» و»آمن الرسول بما انزل اليه من ربه، والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله، وقالوا سمعنا واطعنا غفرانك ربنا واليك المصير..». و»اعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا..»، «ان المنافقين في الدرك الاسفل من النار ولن تجد لهم نصيراً.» و»تعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان..»، «من قتل نفسا بغير نفس او فساد في الارض فكأنما قتل الناس جميعاً..» الخ..
وقد لا يكون من المبالغة التسليم بالقول «إن مصر تواجه الارهاب نيابة عن المنطقة وعن العالم بالكامل..» وكل ما يحدث هو «محاولة لايقاف مصر عن جهودها في مواجهة الارهاب ومحاولة لتحطيم الارادة والتحرك الرامي لايقاف المخطط الاجرامي، الرهيب الذي لا يهدف الى تدمير ما تبقى من منطقتنا.. إلا أنه من المنطقي النظر الى ما يجري بواقعية بعيداً عن أي استثمار.. فلقد أثبتت التطورات ان الارهاب لا دي له ولا رب له، ولا هوية له سوى الارهاب والقتل وتعميم الفساد وسفك الدماء واباحة الكرامات والاعراض واستباحة الحقوق الفردية والجماعية.. الامر الذي يستدعي تحركاً عربيا – دولياً، وعلى كل المستويات لايقاف ذلك عند حد.. على نحو ما حصل يوم أمس في الاجتماع الاول لمجلس وزراء دفاع التحالف الاسلامي» الذي عقد في السعودية برئاسة الامير محمد بن سلمان تحت شعار «متحالفون ضد الارهاب».
«الارهاب» لم يأتِ من فراغ.. وهو لم يكن لينمو ويتطور، ويشكل هذا القلق على المستويات الاقليمية والدولية، لو لم تتوفر له كل أسباب الدعم المالي والمادي والسلاحي والبشري، كما والدعم السياسي والاعلامي.. خصوصاً في منطقة الشرق الأوسط.. فالارهابيون – على ما قال البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي «لا رب لهم، يقتلون أيا كان وأينما كان ولا يجوز أن تبقى الدول العظمى والامم المتحدة مكتوفتي اليدين، يجب ان يتضامن العالم كله من أجل ايقاف هذه الأعمال.. لأن النار التي تضرم لا تقف عند حدود معينة بل هي تطاول العالم كله..».
ليس من شك في ان الأعمال العسكرية التي نفذها الجيش المصري، دليل على رفض وادانة ما حصل ومعاقبة القتلة والمجرمين الارهابيين، ومحاولة لوضع حد لمثل هذه العمليات الاجرامية، لكن السؤال، هل يكفي ذلك وحده من دون اجراءات مواكبة تعيد تصحيح الأوضاع والمفاهيم وتقطع الطريق على أي محاولة لاستغلال بعض العبارات الدينية؟!.
قد يكون من السابق لأوانه البت بمثل هذه المسألة، خصوصاً وأن الصراع بين التطرف والارهاب من جهة والاعتدال الذي يمثله الدين الحنيف ليس جديداً في مصر، وهو تمدد الى سائر دول المنطقة، بتعزيزات وامكانات معروفة المصدر ومعروفة الاهداف والدوافع؟! خصوصاً أكثر، مع «العزلة» التي حكمت مصر عن عالمها العربي منذ الاتفاقات التي وقعت مع الكيان الاسرائيلي، واقتلعتها من دورها العربي والاقليمي».
لقد فقد العالم العربي مع «اتفاقية كمب ديفيد» دور دولة هي الاكبر، بالغ الأهمية في رسم استراتيجية عربية واحدة لمواجهة التحديات والمخاطر.. والعمل العسكري الذي يقوم به الجيش المصري لن يكون كافيا لازالة هذا الارهاب.. والمنطقة لاتزال على أبواب مرحلة جديدة ووضع جديد، على ما تشير التطورات الميدانية.. وقد كانت تجربة لبنان في مواجهة الارهاب والجماعات الارهابية والتكفيرية، و«الحروب الاستباقية» التي نفذت دليلاً على أن «لا مستحيل في ذلك..»؟! وذلك بصرف النظر عن الدعوات المتلاحقة من قبل عديدين بوجوب «النأي بالنفس» والابتعاد عن الصراعات الخارجية.. لاسيما وان «النأي بالنفس» لا يكون من طرف واحد..؟! وهي مسألة ستكون موضع تشاور بين الافرقاء السياسيين اللبنانيين كافة، ولبنان على أبواب مرحلة ليس من الواضح بعد، أين سترسو وكيف ومتى تنتهي؟!
الارهاب مادة بيد الدول العظمى القادرة، وهو بديل عن الحروب التقليدية، او بتعبير أوضح، هو «حروب بالواسطة..» لتعزيز صناعة الاسلحة وبيعها بمئات مليارات الدولارات والسيطرة على ثروات الدول ومصادرة حقوق شعوبها في الحياة والرقي والتطور والنمو والحرية والعدالة والمساواة والغاء «الفروقات» وازالة الحواجز بين مختلف مكوناتها الطائفية والمذهبية والعرقية والاتنية..
لا يملك واحد منا سوى ان يتوجه الى قيادة مصر وجيشها وشعبها وسائر مكوناتها بأحر التعازي بالذين سقطوا، وكل جريمتهم أنهم يؤدون الصلاة في جامع او في كنيسة انها جريمة، بل أكثر من ذلك، الامر الذي يستدعي اتخاذ المواقف التي تؤدي الى وضع حد نهائي لهذه الجرائم والمجازر، وقد أثبتت التطورات ان شعوب المنطقة جاهزة للانفتاح والتفاهم والتعاون، بل والوحدة، شرط ان لا يضع أي فريق نفسه فوق الشبهات وأنه معصوم عن الخطأ وغير ذلك؟