تثير التفجيرات الإرهابية التي ضربت بروكسيل يوم 22 من الجاري تساؤلات كبيرة عن انعكاساتها على مسار الحل السياسي في سوريا والجاري في جنيف عبر مفاوضات بين النظام والمعارضة برعاية الامم المتحدة. ومنطلق هذه التساؤلات أن موجة الارهاب التي ضربت بروكسيل بعد باريس ترسم خطوطا حمرا كثيرة بالنسبة الى أوروبا التي أصابتها أخيرا موجات اللاجئين، قبل أن تصيبها موجات الإرهاب خصوصا، فيما يزور وزير الخارجية الأميركي جون كيري موسكو غداة هذه التفجيرات للقاء المسؤولين الروس الكبار. فأوروبا اليوم على خطوط المواجهة مع الإرهاب، وبالكاد تحاول إنقاذ وحدتها التي اهتزت باستقبال اللاجئين اليها. وأوروبا عبر أبرز دولها المؤثرة، أي فرنسا وبريطانيا، سبق أن اعترضت بقوة على إبعاد اوروبا عن الاتفاق الذي توصلت اليه الولايات المتحدة مع روسيا في شأن وقف الاعمال العدائية والانتقال الى طاولة المفاوضات، والذي تم تحويله الى قرار في مجلس الأمن. وهذا الانزعاج لا يقتصر على فرنسا التي نجحت في عقد اجتماع قبل أسبوعين في باريس حضره كيري من أجل أن يقول لأوروبا وفرنسا تحديدا كلمة، او ان تكون شريكة مع روسيا الى جانب الولايات المتحدة، لكن من دون جدوى. والانزعاج الكبير أصلا يطاول الاتفاق الأميركي– الروسي نفسه، أي ذلك المتصل بوقف الأعمال العدائية لوجود ثغر كبيرة وأساسية فيه، فيما صمّ الاميركيون آذانهم واختاروا عدم الاستماع الى شركائهم الأوروبيين. والجولة الأولى من المفاوضات التي عقدت بين النظام والمعارضة السوريين لم تسفر عن أي نتيجة، ولم يكن متوقعا ان تفعل، أقله في هذه المرحلة الأولية في ظل عوامل ظللت ولا تزال هذه الجولة، من بينها: أولا ما تردد من “حرتقة” أميركية تردد أن الموفد الدولي ستافان دو ميستورا عانى بسببها من دون ان تفهم الاسباب. ثانيا، موقف روسي مستجد هدد باتخاذ إجراءات أحادية في سوريا، وقصف من يخرق الهدنة، علما أن تسعين في المئة من مسؤولية خرق الهدنة تقع على النظام الذي هو حليف الطرف الروسي، وهو الذي يحاول أن يسجل تقدما ليعزّز أوراقه على طاولة المفاوضات. وكان بديهيا أن يزور كيري روسيا بعد خلل يبدو أنه أصاب الاتفاق بينهما على الدفع بالمفاوضات، فيما تبين أنها أشبه بتمرير الوقت. ثالثا، عزم النظام على تأجيل الجولة الثانية من المفاوضات من أجل إجراء انتخابات في 13 نيسان، لمحاولة تعزيز الشرعية وفرض امر واقع جديد بمعزل عما يجري في جنيف، على رغم ان ثلثي الشعب مهجر ولاجئ، مما يطرح تساؤلات جدية عما إذا كان النظام سيتعاون في أي مرحلة مقبلة من المفاوضات، وهل الروس في وارد الضغط عليه ليفعل، او انهم يعجزون لمصلحة اعتماده على الايرانيين الداعمين له كليا، على عكس ما قد يكون عليه موقف الروس في شأن بقائه شخصيا.
ما تثيره تفجيرات بروكسيل، على هذه الخلفية، هو أن الارهاب الذي بدأ يقرع بقوة أبواب القارة الاوروبية ويهددها من داخل ربما لن يسمح بأن يراوح مسار الحل السوري في تمرير الوقت او محاولة كسبه وفق ما يبدو ان وضع المسار الحالي يتجه اليه في ظل اقتناع شبه اجماعي يقر به ديبلوماسيون اجانب يفيد بأن النظام لن يقدم على اي تنازلات جدية تسهل الوصول الى حل سوري، وان اقصى ما يعتقد انه سيقدمه هو حكومة موسعة على رغم رفضها في جنيف حتى الان ما يفيد انه سيبقي يرفع سقفه للوصول الى هذه النتيجة فقط. وقد قرأ هؤلاء الديبلوماسيون هذه المؤشرات بناء على جملة عناصر من بينها ما كان جليا وواضحا في جنيف، من رفض وفد النظام اقتراحات المعارضة القريبة منه، أي التي تحمل عادة ما يحمله النظام نفسه لهذه المعارضة من أفكار أو اقتراحات. يقول البعض إن المسألة قد تأتي بنتيجة عكسية، بحيث تهرع الدول الغربية نتيجة لهذا الإرهاب الى إعادة الاعتبار الى بشار الاسد كخشبة خلاص من أجل الانتهاء من تنظيم “الدولة الإسلامية” والقضاء عليه. في حين يعتبر بعض آخر أن الخيار لن يرسو على هذه النتيجة إطلاقا استنادا الى اعتبار أساسي هو أن الأسد من يتسبب باستمراية “داعش” في الدرجة الاولى، بل قد يكون محفزا لرد فعل من نوع الضغط من أجل تفعيل المسار السياسي في اتجاه فرض الانتقال السياسي الذي نص عليه بيان جنيف أساسا بالنسبة الى الحل في سوريا. وما تواجهه أوروبا قد يشكل عاملا ضاغطا في هذا الاتجاه، تماما كما شكل موضوع اللاجئين عاملا ضاغطا للاتفاق الذي توصلت اليه الولايات المتحدة مع روسيا. وهناك احتمالات قد يقود اليها هذا الضغط الأوروبي في اتجاه الدفع لفتح أبواب الحوار مع روسيا على غير الأسس التي قامت حتى الآن بين أوروبا وموسكو، على أثر الأزمة في أوكرانيا، مما أدى الى العقوبات على روسيا وتوتر العلاقات على رغم التواصل القائم مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، كما في اتجاه رفض ان تكون اوروبا خارج ما يمكن ان يتفق عليه بين روسيا والولايات المتحدة. وتبعا لذلك، ثمة ترقب ديبلوماسي لتبعات الموجة الارهابية في بروكسيل على صعد عدة، لا بد أن تتردد صداها في المنطقة على غرار ما حصل بالنسبة الى موضوع اللاجئين الذي سيشهد بدوره تطورات إجرائية مختلفة.