مهما ارتفع علو الموج وتسارعت قوته، وحتى لو تحول الى تسونامي، فإنه لا بد له في النهاية من التكسر على صخور الشاطئ أو تمتصه الرمال، ولا مفر من جزر بعد كل مد. والتسونامي الارهابي بلاغ ذروته في مد دموي اجتاح أجزاء واسعة من الأرض في العراق وسوريا، وأثار موجة من الذعر في المنطقة والعالم. غير أن هذه الصورة السوداء الكئيبة كان فيها الكثير من حقيقة العنف الدموي، كما كان فيها أيضاً الكثير من الأوهام والتضخيم في المخيلات المرتعبة! وبدأت تظهر اليوم ملامح واقع جديد يشير الى بدء انحسار المد الارهابي مجرد بداية، ودخوله في مرحلة الجزر ولو البطيء، مع ظهور حالة جديدة، مواكبة لانكسار موجة العنف، متمثلة بتراجع المد السياسي للحركات الاسلامية في أكثر من منطقة عربية…
المسلحون الاسلاميون والتكفيريون، بدأت تتكسر شوكتهم، في حين تتقدم الجيوش في أكثر من منطقة عربية. وفي مصر بدأت قيادة السيسي بتنفيذ قرار الحسم ضد حركات التطرف والارهاب في سيناء. والجيش العراقي يسجل نقاطاً ويتقدم على الرغم من اصابته بالتشوه الخلقي منذ التأسيس. والجيش السوري يبدو أكثر ارتياحاً من أي زمن مضى. مع بدء توجيه كل البنادق الى داعش! والمدافعون الأكراد السوريون عن أرضهم أصابوا القوات الداعشية في مقتل، وقيادتهم بالصداع! وكان الأكثر تألقاً بين هذه الجيوش العربية، أضعفهم تسلحاً وعديداً، وهو الجيش اللبناني الذي يدحر الارهابيين بالعقل والسلاح معاً. وفي جهنم الميليشيات الليبية، بدت ملامح تراجعها ولو البطيء أمام السلاح الموظف لخدمة اعادة تأسيس دولة…
في تونس أمثولة أخرى مشرقة، باختصار زمن الخراب والاقتتال، بالعودة الى الاحتكام للشعب. وأسفرت نتائج الانتخابات التشريعية الى قلب الأسطوانة الاسلامية على وجهها الآخر المدني، باقتراع الأكثرية الى غير تنظيم النهضة الاسلامي الذي كان مسيطراً على كل المفاصل التونسية في حقبة وصول الاخوان الى قمة هرم السلطة في مصر مع محمد مرسي. وقد أظهر زعيم النهضة راشد الغنوشي قدراً من الحكمة وأخذ الموعظة من سفه الاخوان في مصر، واعتمد نهجاً سياسياً براغماتياً واقعياً، ساعد في تجاوز المطبات والمهالك. وهنأ الغنوشي زعيم الحزب الفائز الأول في الانتخابات، وذلك على الطريقة الحضارية. واذا نجح السياسيون التونسيون بالتوافق على حكومة تضم العلمانيين والاسلاميين من أجل تونس، يكون ذلك حلاً مرحلياً لتجاوز المرحلة المعقدة، وذلك على غرار ما حصل في لبنان بتشكيل الحكومة السلامية…