IMLebanon

الإرهاب ليس إسلامياً..

هل يمكن أن ينتصر التطرّف على الاعتدال؟

 هل يحتل التهوّر والغلو مكان الحكمة والاتزان؟

 وهل يُعقل أن يهزم الحقد والكراهية كل ما له علاقة بالمحبة والتسامح بين بني البشر؟

 وهل نحن في زمن الفكر الظلامي على حساب الفكر المُتنوّر والمتسلح بمقاييس المنطق والعقل الراجح؟

 تساؤلات تطرحها الأحداث الدموية المتشابكة التي تعيشها المنطقة العربية، والتي وصلت تداعياتها إلى بعض الدول الغربية، وكان آخرها الهجوم الإرهابي على المجلة الباريسية «شارلي إيبدو»، وردود الفعل التي أثارها على المستوى العالمي، والتي جسّدتها التظاهرة المليونية التي شهدتها باريس، أمس، بمشاركة سياسية دولية غير مسبوقة في مثل هذه المناسبات.

المفارقة الغريبة في التعاطي العام مع هذه التطورات المفجعة، تقتصر على النتائج، وغالباً ما تكتفي دوائر القرار ببيانات الشجب والإدانة والاستنكار، من دون الذهاب وبشكل جدّي، إلى حيث الخلفيات والأسباب، التي أدّت إلى انتشار ظاهرة العنف والإرهاب، وما يواكبها من فكر مُغلق، يزرع الحقد والكراهية في النفوس، والغلوّ والتطرّف في العقول.

 * * *

لا بدّ من الاعتراف أولاً، أن حركات العنف والتطرّف تظهر في مراحل ضعف الدولة المركزية، وتراجع الخطاب السياسي الوطني في المجتمع، وبروز التناقضات الاجتماعية والثقافية والدينية.

الولايات المتحدة الأميركية عانت من ممارسات مثل هذه الحركات، في مرحلة ظهور «المكارثية» في الخمسينات، والتي كانت تلاحق المثقفين التقدميين واليساريين. وكذلك جماعة «كوكلوكس كلان» اليمينية، التي كانت تطارد السود الأميركيين في الستينات، وتمارس أبشع أنواع التمييز العنصري ضدهم، وأدينت هذه الجماعة لاحقاً باغتيال زعيم حركة حقوق السود الأميركيين «مارتن لوثر كينغ».

المجتمعات الأوروبية لم تكن بمنأى عن انتشار هذا السرطان العنصري في أوساط شبابها. اليمين المتطرّف في فرنسا بزعامة ماري لوبن يحقق تقدماً متزايداً في أوساط الناخبين الفرنسيين. وأتباعه قادوا الحملات المعادية للإسلام والمسلمين في فرنسا، إلى حدّ رفع شعار طرد الجاليات الإسلامية من الأراضي الفرنسية! فضلاً عن قيامهم باعتداءات متكررة على المساجد والمدارس الإسلامية في مختلف المناطق الفرنسية.

في المانيا، حركة «النازيين الجدد» الشبابية، توسّع قاعدة انتشارها في مختلف المدن الألمانية، وتطالب بترحيل الجماعات ذات الأصول التركية والإسلامية الأخرى، بحجة الحفاظ على «نقاء الوطن الألماني».

ومثل هذه الجماعات موجودة في دول أوروبية أخرى، وإن كانت بأحجام مختلفة، ولكنها جميعها تستخدم أساليب العنف والقوة ضد المواطنين المسلمين، الذين يسقط منهم العديد من الضحايا كل عام، نتيجة الاعتداءات الدموية الحاقدة.

 * * *

لسنا في وارد الدفاع عن مبررات أي هجوم إرهابي، سواء في فرنسا أو حتى في جبل محسن. فمثل هذه الأعمال موضوع إدانة واستنكار، من دون أي نقاش. وهذا ما عبّرنا عنه في مقالات سابقة.

ولكننا بصدد رفض تحميل الإسلام والمسلمين مسؤولية مثل هذه الأعمال المتهورة، والتي لا تمت إلى الدين الإسلامي بصلة، بل لعل العكس هو الصحيح. فالسياسات المنحازة ضد القضايا العربية والإسلامية التي تمارسها الدول الغربية، خاصة في فلسطين بالأمس، واليوم في أفغانستان وباكستان وسوريا والعراق، هي التي تزرع بذور الكراهية في نفوس الشباب الإسلامي، الذي تقف دوله وحكوماته عاجزة، عمّا يلحق بالأمة من ظلم وعدوان، وعما يجري في القدس من تهديد للمسجد الأقصى والأماكن المقدسة الأخرى، فتتلقف الحركات المتطرفة الشباب اليائس، وتعمل على تعبئته وإعداده «للجهاد ضد أعداء الإسلام»، سواء في أوطان المسلمين، أم في بلاد الغربيين!

 * * *

ومن المؤسف فعلاً، أن نرى هذا التباطؤ الغربي في الاستجابة لدعوات الحوار بين الأديان والحضارات، الصادرة من بلاد الإسلام، والتي كان آخرها وأكثرها فعالية دعوة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، الذي ذهب إلى الأمم المتحدة حاملاً رسالة الحوار بين الأديان، وأنشأ مركز فيينا للحوار بين الأديان والحضارات، وزار الفاتيكان والتقى بابا روما للغاية نفسها.

على أن نجاح الحوار بين الأديان يتطلب العمل المشترك على معالجة أسباب الشعور بالظلم واليأس والتهميش لدى الشباب المسلمين، سواء بتحسين ظروفهم المعيشية والاجتماعية، أو من خلال الحد من الانحياز للدولة الصهيونية، وتأييد الأنظمة الاستبدادية المناهضة للحرية والديمقراطية.

 * * *

مرّة أخرى…

ظاهرة العنف والإرهاب لا دين لها ولا هوية، ولكنها تأخذ ألوانها ولبوسها من البيئة التي تنشأ فيها.

ولعل ظهور «داعش» وأخواتها، هو نتيجة طبيعية لتلكؤ المجتمع الدولي في إطفاء نيران الاضطرابات العربية المشتعلة في أكثر من قطر حالياً!