إنَّه حوض البحر الأبيض المتوسط، تتناوب عليه الحضارات مثلما يتناوب عليه الإرهاب، في عملية مداورة لا توفِّر بلداً أو دولة أو شعباً، لتُشكِّل مزيجاً لا يقوى العقل البشري على تفكيكه.
في المتوسِّط ليل أول من أمس، إصطدمت الحضارة بالإرهاب:
مدينة جونيه، على شاطىء شرق المتوسط كانت تتلألأ بالأنوار البهية الصاعدة من ألفين وخمسمئة سهم ناري حوَّلت ليلَها إلى نهار، لكن لسبع دقائق فقط، فممول الألعاب النارية إعتمد التوفير مع تربيح جميلة لأهاليه في جونيه بعجقة السير الخانقة والمطاعم المليئة بالرواد، هكذا بنظره أفهم أنَّه المؤهّل لبلدية جونيه التي خسر باشواط مقعد رئيس بلديتها، وقد أعادت إلى هذا الشاطئ أمجاده الغابرة.
وفيما الحضارة تشع ولو لسبع دقائق، كان الإرهاب يضرب مجدداً في غرب المتوسِّط، مدينة نيس الفرنسية، فهذه المدينة التي تعج بالفرنسيين والسياح في مثل هذه الأيام من كل سنة، كما أنَّها تحتفل بذكرى 14 تموز، سمَّرها رعب الإرهاب الذي أوقع أكثر من ثمانين قتيلاً ونحو عشرين جريحاً بعضهم في حال خطرة.
بين جونيه ونيس تحدٍّ واحد:
الإرهابي في نيس سار بشاحنته نحو كيلومترين على أجساد السيَّاح والفرنسيين ليتوقَّف أمام فندق وستمنستر، مخلِّفاً هذا العدد من الضحايا الذي لم تشهده فرنسا من قبل. السائق مواطن فرنسي مسجَّل في مدينة نيس، وهو من أصل تونسي عمره 31 عاماً.
الحادثة وقعت قرابة الحادية عشرة إلا ثلثاً، بعد لحظات من إنتهاء الإحتفالات بذكرى 14 تموز، وكان جادة الإنكليز مزدحمة بالمتفرجين، فضرب الإرهاب ضربته، وكانت المذبحة، ومن بين الضحايا مساعد قائد الشرطة في مدينة نيس.
فرنسا لم تلملم جروحها بعد منذ مذبحة شارلي إيبدو وصولاً إلى التهديدات بضرب الإستقرار أثناء كأس الأمم الأوروبية في كرة القدم والذي اختُتِم منذ أيام.
كانت الأجهزة الفرنسية تُركِّز على المدن التي ستجري فيها المباريات، إنتهت البطولة وتنفست الأجهزة الأمنية الصعداء، وساد نوعٌ من الإسترخاء بعد النجاح في تمرير الألعاب من دون أي عملية إرهابية، بإستثناء أعمال الشغب التي قام بها مشجعو الفِرَق ولا سيما الروس والإنكليز.
وما تمَّ الهروب منه في باريس، جرى الوقوع فيه في نيس. السلطات الفرنسية مددت حالة الطوارىء لثلاثة أشهر، هذا يعني أنَّ فصل الصيف سيقع تحت طائلة حالة الطوارىء، وهذا يعني أنَّ ما تحاشت فرنسا التوصل إليه، وجدت نفسها في خضمِّه.
ليست فرنسا وحدها المستهدفة، إنَّها الحرب العالمية الثالثة، طرفاها:
الإرهاب من جهة، والعالم الحر كله من جهة ثانية، فماذا تنتظر الدول القادرة والمقتدرة لتتخذ القرار الكبير بالإنغماس في هذه الحرب، من دون هوادة، لتحمي دولها وشعوبها؟
الأمر لا يحتمل التردد، ولا يحتمل التشكيك، كل ما هو مطلوب هو تحديد الساعة الصفر لئلا تستمر الدول تنام على شاحنة تدهس الناس وتستفيق على شاحنة تنفجر بالناس.