IMLebanon

الإرهاب دين لم تنزل به السماء

حين يكمن الخَلل في الفكر، ويُصار الإصرار عليه مكابرةً أو رغبةً تنطلق من غوغائية، تمثل بيئة حاضنة ومناسبة لأيادٍ سرية تجيد اللعب على المنهج الفكري أو البطولات الهشّة لنشرِ فوضى قيل عنها خلّاقة، فما استقبلت به باريس العام الجديد وممّا وسَم «شارلي ايبدو» الذين مارسوا إرهاباً عقائدياً لا يقلّ عن الإرهاب الذي نعايشه حولنا.

لعلّ فرنسا أرادت احتواء الصدمة بتسيير مسيرة دولية شاركَ فيها مَن شارك لتضميد المأساة ولكنّها لم تجتثّ أسبابه، بل سارعت الصحيفة الى العمل على ترسيخ منهجها الفكري المثير لإرهاب غير محمودة عواقبة في أوّل عدد بعد الحادثة، من متابعة لمنهج الصحيفة ومنهج الإرهاب التكفيري المنتشر بيننا كالنار في الهشيم المتمثل في «داعش» وأضلاعها السداسية، السؤال الباحث عن إجابة غير ملموسة هو مَن وراء صناعة الفكر الحاضن للإرهاب بوجهه الفرنسي أو العربي؟

الإرهاب كمنظمات له لوائح عالمية منها ما هو مسجّل ومتابَع ومنها ما هو وفق العمل السرّي، والأرقام الى تزايد، حيث تشير الأرقام الى أكثر من 4000 منظمة إرهابية عرقية في الولايات المتحدة الأميركية، وفي القارة الاوروبية تنامت أيضاً في صِيَغ متفاوتة وتحت شعارات عنصرية ولا نغفل أنّ الدولة الصهيونية تمارس الإرهاب الحقيقي بكلّ ألوانه العقائدية والجيوسياسية، وتبقى القضية الفلسطينية أساساً لاستمرار البيئة المبرِّرة لنموّ تنظيماتٍ لا تعترف بالعمل السياسي لأنّ الطرف الآخر عنوان للإرهاب.

لستُ ممَّن يهرولون أو يروِّجون لنظرية المؤامرة والبحث عن لعبة الإستخبارات الخَفية لتحريك تلك الأدوات كمسرح العرائس، بل أميل إلى تعليق الجرس، خلال العقود الماضية من غياب المشروع الإسلامي- العربي- التنموي، ما دفعنا الى فراغ ممَنهج، فلا نحن قدّمنا إسلاماً صحيحاً يحقق الرسالة النبوية ولا نحن أظهرنا هوية عربية توجِب الإحترام، وإنْ كان هناك مشروعٌ عربي لم يتجاوز الظاهرة الصوتية وزعامة صوتية ذات شِعارات من دون مشروع.

لم نكن يوماً أقرب الى تنمية البشر بما يكفل التعايش بسلام يصل بناءً لهوية الانتماء، بدلاً من الهجرات المنظِّمة للبشر من واقع الشارع العربي.

وحتى نسمّي الأشياء بمسمّياتها، فقد أُحبِط المواطن العربي مما يجري حوله وقضاياه وإرادته المسلوبة القرار.

على مَن صنعَ هذا المشروع أن يعيد حساباته، فالنار تنتشر من مستصغر الشرَر ولا أعتقد أنّ نار الإرهاب ما تزال شرَراً بل ألسِنة لهب استعرَت وأحرقَت الكثير، وستحرق مَن أشعلها.

من نافلِ القول إنّ الممارسات الإرهابية لا تُقمَع بالتصاريح والبيانات، بل علينا أن نكون أكثر شجاعة بالاعتراف لحاجتنا الى تصحيح مساراتنا وأهدافنا التنمويّة لنخلق أوطاناً متماسكة ومشروعات تنمية للبشر. فالهبات لا تصنع مشاريع تنمويّة بل مسكِّنات لا ترتقي لمشروع نبشّر به الغد، فالوطن العربي بوحدتُه وتوحّده كفيل بتطهير الإرهاب من منابعه متى أعدنا إيجاد ضمائر حيّة لا غائبة ومستترة.

تبقى الحقيقة المستخلَصة ممّا يجري أنّ الإرهاب حين يكون عقيدة فكرية، أقرب إلى اعتناق دين لم تنزل به السماء، ولكنّه من صنعِ بشر غير سويّ لهم آلهتُهم وأولياؤهم.