يعرف الإرهاب في أكثر تعريفاته شيوعاً، بأنه عمليات دموية مسلحة وعشوائية، تقوم به قوى منظمة، هدفها إجراء تغييرات وخلق حقائق جديدة على الأرض خارج إطار السياسة، لإجبار الآخرين بمن فيهم المدنيون على إجراء تغييرات في سياساتهم ومواقفهم. ولا يقتصر العمل الإرهابي على نشاط الأفراد والجماعات، بل يشمل ما تقوم به الدول في البعض من ممارساتها ضد الآخرين من أفراد أو جماعات ودول.
وتمثل غوطة دمشق الشرقية اليوم مسرحاً نموذجياً لواحدة من أكبر الأعمال الإرهابية، التي عرفها العالم في العقود الأخيرة من تاريخه. ففي هذه البقعة الصغيرة من محيط دمشق، هناك نحو أربعمائة ألف من السكان، أكثر من نصفهم أطفال، عاش غالبيتهم تحت القصف المستمر منذ سبع سنوات، وأغلب هؤلاء ولدوا في ظل حصار شامل مستمر منذ خمس سنوات، منع فيها دخول وخروج الاحتياجات الإنسانية بما فيها الغذاء والدواء والتجهيزات الضرورية لاستمرار الحياة.
الذنب الأساسي لسكان الغوطة أنهم خرجوا متظاهرين سلميين من أجل مستقبل وحياة أفضل لأولادهم وبلدهم مثل حال أغلبية السوريين الذين تظاهروا من أجل الحرية والكرامة في مارس (آذار) 2011، ثم ذهبوا إلى احتجاجات أوسع بعد أن أغلق النظام بوابات الحل السياسي، وأصر على حل عسكري أمني قائم على الإكراه والإجبار بالقوة، وهي جوهر الأعمال الإرهابية، التي شكلت نمطاً في سلوك نظام الأسد ضد السوريين منذ تولي الأسد الأب السلطة في عام 1970، وتعبيرها الأبرز مذبحة حماة 1982، التي قام بها حافظ الأسد وجهازه الأمني – العسكري تحت شعار محاربة المسلحين واستعادة سيطرة الدولة على المدينة بتدمير المدينة المحاصرة، وقتل عشرات الألوف من سكانها باستثناء من زج بهم في السجون، ومن شردهم في أنحاء مختلفة من العالم.
نموذج حماة في إرهاب الدولة، كرره نظام الأسد عشرات المرات ضد مدن وقرى وأحياء في السنوات السبع الماضية، سواء بواسطة قواته وأجهزته الأمنية أو من خلال ميليشياته، التي لا وظيفة لها سوى القتل والاعتقال والتدمير والتعفيش، قبل أن يطور استراتيجيته في إرهاب الدولة بإقامة تحالف إرهابي من دول وميليشيات لها تاريخ أسود، فخلق حلفاً من الروس والإيرانيين، وضم إليه ميليشيات لبنانية وعراقية وأفغانية وباكستانية، إضافة إلى شركات المرتزقة وأبرزها المرتزقة الروس.
فالروس لهم نموذجهم في غروزني بالشيشان، والإيرانيون يمارسون الإرهاب، سواء عبر ما قاموا به في إيران أو بدعمهم جماعات إرهابية معروفة ومصنفة عالمياً في قائمة الإرهاب مثل «حزب الله» اللبناني، وهو واحد من ميليشيات إيران، التي تمارس عملياتها في العديد من البلدان.
لقد حشد الحلف الثلاثي قوته في مواجهة غوطة دمشق، وبدأ عملية إبادة شاملة هناك منذ ثلاثة أسابيع، ما زالت متواصلة رغم اتخاذ مجلس الأمن الدولي المنوط به حماية الأمن والسلم الدوليين قراره رقم «2401» بإعلان الهدنة في الغوطة، دون أن تتوقف الحرب، ولا يبدو أنها ستتوقف، لأن سيناريو الحلف الثلاثي يقضي بتحويل الغوطة إلى مكان بلا سكان، ولا مصير لهم سوى واحد من خيارات: الموت، أو الاعتقال، أو الترحيل إلى الشمال باتجاه إدلب، التي لن يكون مصيرها وفق سيناريوهات الحلف الثلاثي مختلفاً عن سيناريو الغوطة إلا ببعض التفاصيل الناجمة عن تمايزات ليست لها أهمية تذكر.
إن المبرر الرئيسي لحرب إبادة الغوطة وسكانها، كما يطرحه الحلف الثلاثي، هو محاربة الإرهاب الذي يصفون به تشكيلات المعارضة المسلحة في الغوطة، وهي التشكيلات ذاتها التي انخرطت في العملية التفاوضية في جنيف وآستانة، وهي طرف في اتفاق خفض التصعيد بالغوطة الذي تم الوصول إليه بضمانة كل من روسيا وإيران وتركيا العام الماضي، وقد امتنعت روسيا وإيران عن مواجهة خروقات نظام الأسد للاتفاق، بل شاركتا فيها قبل أن تصطفا مع حليفهما في الحرب الراهنة على الغوطة، الأمر الذي يسقط بالمعنى السياسي وصف الإرهاب عن تشكيلات المعارضة المسلحة في الغوطة، ويجعل كل من يقف إلى جانب نظام الأسد، مثل إيران، توصف به.
والنقطة الثانية في دلالات انخراط الدول الثلاث في إرهاب الدولة، رفضها المضي في الحل السياسي للقضية السورية، وإغلاق آذانها عن الدعوات والمطالبات الدولية والإقليمية القاضية بوقف الحرب وإتاحة الفرصة أمام الجهود السياسية، وتحدي الإرادة الدولية المعبر عنها في قرار مجلس الأمن، والقول إن سيناريو الغوطة الذي يقارب سيناريو حلب أواخر عام 2016، سوف يتكرر لاحقاً في إدلب وكل منطقة خارجة عن سيطرة النظام في سوريا.
والنقطة الثالثة في حرب الحلف الثلاثي، يمثلها الاستخدام المفرط والكثيف للقوة في الغوطة، وتنوع الأسلحة المستخدمة. ففي الحرب، تتحشد وتتشارك غالبية القوة العسكرية لنظام الأسد وميليشياتها، وبعض القوات الإيرانية وميليشياتها، فيها يتشارك طيران الروس مع طيران النظام في القيام بالهجمات الجوية، وتتواصل العمليات الأرضية والجوية بكثافة ليل نهار، وسط عمليات رصد واستطلاع مرافقة، وإضافة إلى استخدام الأسلحة التقليدية من مدفعية ودبابات وراجمات صواريخ، فإنه يتم استخدام الأسلحة المحرمة دولياً من البراميل المتفجرة وقنابل النابالم والأسلحة الكيماوية ومنها غاز السارين، وتتحشد في سماء الغوطة الحوامات والقاذفات الروسية من كل الأنواع، إضافة إلى طائرة «سوخوي58» أحدث الطائرات الروسية، التي تستخدم لأول مرة في عمليات جوية.
لقد دمرت حرب الحلف الثلاثي وميليشياته المدن والقرى في غوطة دمشق في الأسابيع الثلاثة الماضية، وقتلت وجرحت آلافاً، وخلفت مفقودين تحت ركام المنازل وفي دور العبادة وفي المشافي البسيطة، وغالبيتهم من الأطفال والنساء الذين تحصن أغلبهم هرباً من الموت في ملاجئ لا تصلح للحياة، وبعضها تحول إلى مقابر للموجودين فيها.
وسط مقولة أطراف الحلف وأنصارهم أنهم يحاربون إرهاب جماعات التطرف، إنما يتجاهلون أن ما يقومون به هو الإرهاب الأشد وقعاً ونتائج، لأنه إرهاب مزدوج، يقوم على تشارك إرهاب الدولة مع إرهاب الميليشيات التابعة لها، وهذا لا يوقع أكثر الخسائر البشرية والمادية فقط، بل يعزز البيئة الحاضنة للإرهاب، ويولد جماعات أكثر تطرفاً وتشدداً.