لا يزال الإرهاب يضرب القارة العجوز، تحت شعارات متعددة وجماعات مختلفة، ولكن الحقيقة الوحيدة الثابتة أن بيئة القهر والحرمان والبطالة حوّلت المهاجرين التواقين لحياة أفضل تحت سقف الحرية والعدالة الاجتماعية إلى مواطنين من الدرجة الثانية، حاقدين على البلد المضيف، فاقدين لإنسانيتهم وضالين عن أصول الدين الحنيف.
لم يكن الفكر المتطرّف المريض ليجد بيئة حاضنة، لينمو ويسيطر على العقول اليائسة، والقلوب الضعيفة، لولا غياب الدول المتحضرة عن هذه الفئة المهمشة من المجتمع، التي إن حصلت على شهادات، لم تجد سبل العيش الكريم أسوة بسائر المواطنين الأصيلين، وهي مجموعة لم تشملها الخطط التنموية، ولم تسعى سياسات الحكومات إلى توظيف طاقاتها في مشاريع إنتاجية بنّاءة، بل تركت وحيدة لتواجه شظف العيش، وظلم المجتمع الذي يلبسها ثوب الإعدام كلما زنا زانٍ من أهلها!
والوضع الداخلي في لبنان ليس بأقل خطورة، مع الأرقام التي صرّحت عنها مفوضية اللاجئين والتي تنذر بمليوني لاجئ، مسجّل، بين سوري وفلسطيني وعراقي.. أي ما يوازي الخمسين بالمئة من تعداد السكان في الوطن الصغير، حيث لا خطط إنمائية لمناطقه أصلاً، ولا مساعدات لسد حاجات اللاجئين المتزايدة، ولا قدرة للمؤسسات الأمنية على رصد وتنظيم حركة اللجوء، وحصرها في مخيمات خاضعة لرقابة وسلطة الدولة، حتى لا تبقى أزمة اللاجئين، كما هي اليوم، قنبلة اجتماعية قابلة للانفجار في أية لحظة وعند أول تحد، خاصة مع الانفلات الأمني الحاصل، والثمن الاجتماعي الصحي الباهظ، الذي يدفعه اللبناني كل يوم من ارتفاع نسبة الجريمة، إلى زيادة البطالة ومظاهر الفقر بشكل غير مسبوق، مروراً بانتشار الأوبئة وعجز الجهات الرسمية عن مواجهتها، وصولا إلى تفاقم أزمات السير والبنى التحتية المهترئة أصلاً، والتي ظهر عجزها الكامل عن مواجهة الأعداد المتكاثرة في بقعة محدودة، ناهيك عن أزمة فرص العمل المتفاقمة نتيجة انعدام السياحة، بعد المواقف النارية ضد الأشقاء العرب وتراجع القدرة الشرائية عند غالبية اللبنانيين.
فماذا بقي غير الساحة المفتوحة لكل ريح تهبّ من هنا أو هناك، وغير البيئة الحاضنة للإرهاب بمختلف أشكاله وانتماءاته؟
إن تقاعس المجتمع الدولي في مواجهة إرهاب داعش وملامسته جذور المشكلة بسطحية مطلقة فتح أبواب جهنم على العالم بأسره، وأعطى الضوء الأخضر للحركات المخربة، فتداخلت المواجهات، وفتحت الجبهات، بشكل خلطت الدول الغربية بين الحليف في ساحة، وعدو في أخرى، وبالتالي بات الإرهاب نسبياً أو قابلاً للمقايضة حسب ما تقتضي المصالح..!
ولكن يبقى السؤال الذي يعني اللبنانيين أولاً: هل دولتهم قادرة على تعلم العبر من تجارب الغرب المرة، ومحاربة الإرهاب عبر اجتثاث بيئته الحاضنة، وتحصين الجبهة الداخلية، لتجفيف موارده ومحاصرة إمكاناته للتوسع والانتشار، عبر توزيع رقعة الخطط الإنمائية خارج نطاق المحسوبيات الانتخابية، أو تعزيز دور القوى العسكرية، وتأمين الغطاء السياسي الداعم لها، لتدمير بؤر الإرهاب، وقطع أوصاله أينما كانت متجذرة؟
هل يُفترض بالوطن الصغير انتظار حل للأزمة السورية حتى يحصل على الدعم الدولي في مواجهة هذه الآفة بعدما تداخلت العوامل المحلية والإقليمية في إذكائها؟