IMLebanon

الإرهاب يخطف عين الحلوة

يبدو ان الدولة اللبنانية، كما جرت عادتها، تنسى سريعاً احداثاً امنية بالغة الدلالة والخطورة، وتؤشّر الى ما يمكن ان يحدث في المستقبل، ان لم تتم معالجتها بكثير من الجدّية والحزم، كتلك الاحداث الدامية التي حصلت في العام 1969 عندما انطلقت من المخيمات الفلسطينية القريبة من كلية المقاصد في بيروت، تظاهرة حاشدة، ضمّت اكثرية طاغية من الفلسطينيين مدّعمة بلبنانيين حلفاء، ومجهّزة بالبلاط والحجار والاشجار التي اقتلعت في طريقها الى وسط بيروت لمطالبة الحكومة اللبنانية بشرعنة العمل الفدائي الفلسطيني وحمايته، فاصطدمت بقوة من الامن الداخلي كانت تحاول منعهم من التقدم باتجاه السراي الحكومية ووقف ممارسات الاعتداء على الاملاك العامة والخاصة، وكانت نتيجة هذا الاصطدام سقوط عدد كبير من القتلى والجرحى من الطرفين.

لم يهدأ التحرك المسلّح للفلسطينيين طويلاً، فتجدد في شكل اعنف واوسع سنة 1973 ووقعت اشتباكات عنيفة بين المسلّحين والجيش اللبناني بالقرب من المدينة الرياضية، ورضخت يومها الدولة اللبنانية بشخص الرئيس سليمان فرنجية للضغوط العربية وقال كلمته الشهيرة للفلسطينيين «تدبّروا اموركم وسلّحوا انفسكم، واحموا مخيماتكم» وبعد سنتين على هذا الموقف اندلعت الحرب في لبنان بين المسلّحين الفلسطينيين والمقاومة اللبنانية، واستمرت 15 سنة بالتمام والكمال سقط في خلالها مئات الوف القتلى والجرحى والمعوقين ولحق بلبنان دمار هائل ما زال اللبنانيون يدفعون ثمنه حتى الآن، وسيدفعونه ربما الى اعوام عديدة مقبلة.

المأساة تكررت في مخيم نهر البارد، ولو على نطاق محدود، لكن حوالى 200 جندي لبناني سقطوا شهداء في هذه المعركة اضافة الى مئات الجرحى والمعوقين، قبل ان ينجحوا بالانتصار على مسلّحي «فتح الاسلام» الذين حوّلوا مخيم نهر البارد الى معسكر مدجج بجميع انواع السلاح القاتل، مثله مثل المخيمات الاخرى في بيروت والجنوب والبقاع والشمال المحرّم دخولها على الجيش الوطني، وعلى اي سلطة امنية شرعية اخرى.

****

هذه العودة السريعة الى الماضي، ضرورية ليعرف المواطن اللبناني الذي يسكن قريباً من هذه المخيمات، والمواطن الفلسطيني المسالم الذي يسكن داخل المخيمات، اي مصير ينتظره في حال اشتعلت شرارة الفتنة التي يوقد نارها الاسلاميون الفلسطينيون الارهابيون المنتمون الى «داعش» و«النصرة» و«جند الله» و«فتح الاسلام» وغيرها من التنظيمات المعششة داخل «بيوت» وازقة مخيم عين الحلوة، اكبر المخيمات الفلسطينية في لبنان، وربما في العالم العربي، ـ 100 الف إنسان ـ والذي اصبح تقريباً جزءاً من مدينة صيدا، والقرى المجاورة،ويتمدد الى حدود الطريق الدولية الى محافظة الجنوب والطريق المؤدية الى منطقتي شرق صيدا وجزين، فهل يمكن لأي انسان لبناني، وفي شكل خاص للمسؤولين اللبنانيين، ان يتصوّروا فقط ماذا يمكن ان يحصل في حال افلتت الامور من ايدي هيئات فلسطينية تعمل داخل المخيم لتهدئة الامور بالقليل الذي تملكه من القدرة والاحترام والسلطة، بدلاً من ان تقيم السلطات اللبنانية المعنية الدنيا وما فيها، وتأخذ الامر بيدها وتتصل بالدول العربية المعنية بأمر الفلسطينيين، والتي حمت مخيماتهم في عام 1973، وتحمّلها المسؤولية كاملة عمّا يمكن ان يحصل، ولا تقبل بديلاً عن تجريد الفلسطينيين من سلاحهم الثقيل والمتوسط والخفيف، بخاصة التنظيمات الارهابية، خصوصاً ان هناك توافقاً لبنانياً كاملاً في طاولة الحوار الاولى على نزع سلاح المخيمات ودخول الدولة الى المخيمات مثلها مثل اي منطقة لبنانية.

ان استهداف ضباط وعناصر وقيادات في منظمة فتح، بدءاً من العميد طلال الاردني والعنصر حسين عثمان، واخيراً المسؤول العسكري لفتح في مخيم المية ومية العميد جميل زيدان، لا يعود الى اسباب شخصية او خلافات ثأرية، بل الهدف منه جرّ المخيم الى كارثة تشبه كارثة مخيم اليرموك في دمشق، وبالتالي جرّ باقي المخيمات الى مصير مشابه، واغراق لبنان في حرب مخيمات زرعت في قلب المدن اللبنانية الكبرى، او على حدودها، وسيكون نصيبها حتماً الدمار والخراب والتهجير.

نام اللبنانيون على حرير التطمين، ان الفلسطينيين سيعودون الى بلادهم في خلال اشهر، وهذه السنة هي الثامنة والستون على وجودهم.

ونام اللبنانيون، على حرير، ان الفلسطينيين، ضيوف مسالمون في لبنان، فكان ان دمّروا لبنان ودمّروا قضيتهم، وهم في طريقهم الى تدميره مرة جديدة، ان لم يتم استئصال الارهاب من مخيماتهم التي تحولت الى معسكرات للقتل والموت.

انقذوا الشعب الفلسطيني من قاتليه… تنقذوا معه الشعب اللبناني… المهم ان تستيقظوا من سباتكم.