Site icon IMLebanon

الإرهاب يحفّز فيينا كما مبادرة نصرالله “دوحة لبنانيّة” تحوطها الشكوك وأزمة ثقة

لم يخف وزراء الدول الكبرى الذين اجتمعوا في فيينا السبت الماضي من أجل بحث متجدد في حلّ للحرب السورية غداة العمليات الارهابية في العاصمة الفرنسية التي روّعت الفرنسيين والأوروبيين وصدمت العالم بأسره محدثة حالاً واسعة من التعاطف والتضامن مع فرنسا في وجه الإجرام الذي لحق بعاصمة تعشقها شعوب العالم ولا سيما منها الشعوب العربية، ان هذه العمليات شكّلت حافزاً للدفع في اتجاه الاتفاق على خريطة حل للحرب السورية. خجل ديبلوماسيو هذه الدول من الخروج الى الرأي العام الدولي بعدم القدرة على الاتفاق مجدداً ولو على الحد الأدنى في ظل مخاطر باتت تتهددهم في عقر دارهم. كان التفجيران في برج البراجنة حصلا قبل يوم واحد من عمليات الارهاب في باريس وحصدا عدداً كبيراً من الأبرياء ما شكل حافزاً اضافياً للأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله أن يكرر الدعوة الى تسوية سياسية شاملة في لبنان دعا إليها قبل يوم واحد من تفجيري برج البراجنة ولم تتح التطوّرات المتلاحقة داخلياً وخارجياً التي أعقبت إطلاقه هذا الموقف إبراز أي رد فعل. إلا أن الموقف الذي أطلقه وجد تزخيماً إضافياً على وقع التفجيرين الارهابيين تماماً كما وجد اجتماع فيينا زخماً إضافياً من تفجيرات باريس، لكن من دون معرفة ما إذا كان يمكن أن تشكل دعوته باباً جدياً للذهاب الى تسوية سياسية أبعد من الوقع الكلامي الإعلامي وفي إطار تسجيل تقدّم في موقف الحزب أبعد من المراوحة السياسية التي اعتمدها حتى الآن منذ تصلبه في موقفه من انتخابات رئاسة الجمهورية.

تريّث الرئيس سعد الحريري أياماً قليلة قبل إبداء رد فعل على دعوة الأمين العام للحزب. لم تصدر تعليقات فورية لا إيجاباً ولا سلباً من الخصوم أو من الحلفاء الذين لم يخف بعضهم عنصر المفاجأة. انتظر البعض محاولة رصد أبعاد موقف السيد نصرالله الذي أطلقه بعد ساعات قليلة من زيارة مساعد وزير الخارجية الإيراني للشؤون العربية والافريقية حسين أمير عبد اللهيان الأربعاء الماضي في 11 الجاري في ختام زيارة له لموسكو التقى فيها مسؤولين روس، وما إذا كان ذلك يؤشر الى اتجاهات إيرانية بالرغبة في تحريك الجمود السياسي في لبنان على وقع تطوّرات متوقعة على أكثر من صعيد إقليمي إذ لا يقبض كثر منطق التذرّع بأن البلد لم يعد يحتمل على رغم صحة هذا المنطق، لكن لا يعتقد انه السبب الفعلي لذلك ما لم يكن ينطوي على إقرار بأن الحزب بات يرى ضرورة له للخروج من حال الاستنقاع الى مرحلة تفعيل الوضع السياسي. والقول بالتسوية الشاملة بالنسبة الى البعض ليس جديداً في حد ذاته ما دام هذا المبدأ يحكم خلفية المتحاورين في ساحة النجمة وان يكن كثر يتمسكون بمبدأ انتخاب رئيس للجمهورية. لكن حين تتم مناقشة انتخابات رئاسة الجمهورية ومواصفات الرئيس ويتم الاستعداد للانتقال الى البحث في قانون الانتخاب فإنما للربط الذي يحدثه غالبية الأفرقاء على ما يسمونه السلة الكاملة أي الاتفاق الذي يشمل التوافق على رئيس للجمهورية وقانون الانتخاب ورئاسة الحكومة وحتى الحكومة باعتبار انه اتفاق دوحة جديد إنما يصنع في لبنان. الجديد هو في خروج السيد نصرالله من مربع التمسك بموقف معين معروف من الترشيح لرئاسة الجمهورية الى مكان آخر يقر فيه بان التسوية تفترض أخذاً وعطاء أي تنازل من هنا وهناك. وهذا ليس جديداً في منطق أي تسوية لكن بالنسبة الى غالبية المراقبين فإن مواقف الحزب كانت دوماً ولا تزال محاولة أخذ الآخرين الى شروطه.

على رغم محاولة تبين ما إذا كان ثمة ما قد يدفع في اتجاه تحريك فعلي للجمود السياسي أو إذا كان ثمة سعي لتجنب الأسوأ، فإن مراقبين كثراً يبدون حذراً ازاء حلحلة قريبة لأسباب عدة أبرزها ان لا ثقة بين الأفرقاء السياسيين لجهة الدوافع أو الأسباب وراء مثل هذه الدعوة انطلاقا من اقتناع بأن الحزب يبرز نسب مواقفه أي أن تكون عالية النبرة أو تصالحية بحسب الحاجة. وانعدام الثقة ينسحب على واقع أن تسوية الدوحة سرعان ما نسفها الحزب نفسه حين شعر بأن الأمور تميل لمصلحته حين أطاح حكومة الرئيس سعد الحريري على رغم التزامات قطعها على نفسه مع حلفائه في الدوحة وعلى رغم أن تأليف أولى حكومات ما بعد الدوحة لم يكن سهلاً أيضاً. أضف الى ذلك أن لا شيء يثبت حتى الآن أن الوضع قد يتجه نحو تسوية في المنطقة لكي يبدأ الكلام على تسوية حقيقية في لبنان ولن يكون هناك مؤشرات جدية ما لم يحصل تطوّر جدي في سوريا. لكن ذلك لا يمنع القول ان المؤشر الأبرز على ذلك سيكون التفاهم على قانون الانتخاب العتيد والمرونة التي يمكن أن يبديها كل الأفرقاء السياسيين في شأنه على رغم تأكيد البعض أن لا شيء كبيراً يميز بين قانون الانتخاب الذي وضعه المستقبل والاشتراكي والقوات اللبنانية وذلك الذي أعده الرئيس نبيه بري بحيث يمكن الاتفاق إذا صفت النيات. وفيما يقول البعض انه فهم من السيد نصرالله أنه لن يفرج عن انتخابات الرئاسة قبل الاتفاق على قانون انتخاب اعتبره العامل الأساسي في إعادة تكوين السلطة، يعتبر آخرون أن دعوته لا تخرج عن إطار محاولة التهدئة لأن ثمة استحالة في الاتفاق على قانون انتخاب جديد.