Site icon IMLebanon

الارهاب عاصفة تجتاح لبنان وفرنسا وتقلق العالم

الارهاب عاصفة تجتاح لبنان وفرنسا وتقلق العالم 

عقدة انتخابات رئاسة الجمهورية عقبة سياسية 

والقضايا الداخاية تتقلص آثارها أمام المشكلات الدولية

جلس الاستاذ فؤاد بطرس في منزله الكائن في محلة الاشرفية من بيروت، يفكر، يراقب، يقرأ أحياناً ما أوردته صحيفته المفضلة لديه، ثم يضعها جانباً ويعود الى التفكير في حال البلد، ويعرض ظروفه الحالكة، وشجونه الصعبة. ويرنو احيانا الى الواقع ولا يحب الكلام. هل سئم المفكر الكبير والسياسي العريق، بعد تقادم السنوات وقد تجاوزت التسعين عاماً، أطال الله في عمره، تكرار الافكار اليومية، والبلاد على عتبة أحداث غامضة، بعد جريمة برج البراجنة وأحداث باريس الأخيرة. 

ترك فؤاد بطرس عرض الاحداث في بعض الصحف اليومية، وتناول كتاباً بالفرنسية وراح يقرأ ما هو وارد فيه من افكار ومذاهب، وقد لاحظ بعض زواره انه بات يتردد قليلاً على مكتبه في الحازمية، لأن عالم المحاماة، وهو عالمه، لم يعد يلبي طموحاته والتطلعات. 

كان وزير خارجية لبنان في عهد الرئيس شارل حلو، يتساءل عن الاسباب التي جعلت فؤاد شهاب، الذي تعرف عليه عندما زار المحكمة العسكرية مع وزير الدفاع الأمير مجيد ارسلان، ويطرح عليه سؤالاً عن اسباب اعتراضه على سؤال طرحه الوزير، ووجده القاضي الجالس امامه بأنه سؤال غير محق، ولا يجوز لوزير ان يطرحه على قاضٍ ينظر في قضية. يومئذٍ، أعجب فؤاد شهاب، وهو قائد للجيش بسؤاله. ومرت الاحداث، واتفق الرئيس الاميركي دوايت ايزنهاور والرئيس العربي جمال عبد الناصر ، وكان رئيساً لمصر وسوريا، تحت اسم الجمهورية العربية المتحدة، على حكومته الأولى برئاسة الرئيس الشهيد رشيد كرامي.

يومئذٍ، تألفت الحكومة بعد ثورة استمرت من ٢٤ أيلول ١٩٥٨ الى ١٤ تشرين الأول ١٩٥٨. لكن الحكومة التي ضمت رشيد كرامي، فيليب تقلا، شارل حلو، محمد صفي الدين، يوسف السودا، رفيق نجا، فريد طراد وفؤاد نجار لم تمثل امام مجلس النواب، لأنها كانت انتصاراً للثورة المؤيدة من الرئيس جمال عبد الناصر، ومن سوريا، وقابلتها انتفاضة مضادة، قادها الشيخ بيار الجميل رئيس حزب الكتائب، لأن الوزير يوسف السودا كان من بكفيا معقل رئيس حزب الكتائب. 

في ذلك الوقت، اقترح العميد ريمون اده رئيس حزب الكتلة الوطنية، عبر رسول مخلص، على الرئيس فؤاد شهاب أن يؤلف حكومة رباعية من الرئيسين رشيد كرامي وحسين العويني عن المسلمين، وبيار الجميل وريمون اده عن المسيحيين، وهكذا حُلَّت أزمة وزارية حادة، في مطلع العهد الشهابي. 

الا ان الحكومة الرباعية عاشت من ١٤ تشرين الثاني الى ١٤ ايار ١٩٦٠، عندما استقال منها العميد ريمون اده، وقد اشتهر بصرامته بتنفيذ حكم الاعدام في البلاد، ليتمكن من كبح جماح الخروج على القانون، وكان اعدام التكميل المبادرة الأولى على هذا الصعيد. 

عودة الى المفارقة 

كانت الأجواء تتسم بالحذر بين فخامة الرئيس وبين العميد العنيد ولكن في أجواء مشوبة بالاحترام حيناً وبالتقدير أحياناً، وبالحذر دائماً. 

لكن الرئيس فؤاد شهاب راح يفكر فيمن ينبغي له ضمه الى الحكومة الموسعة للحكومة الرباعية، وعاد في ذهنه الى اسماء لمعت امامه، عندما كان يرافق وزير الدفاع، وفي جولاته، خصوصاً ذلك القاضي الذي تجرأ بصلابة وحصافة على الاعتراض على موقف للأمير مجيد ارسلان في معرض سؤاله عن دور الوزير ودور القاضي في المحكمة العسكرية. 

بعد ذلك اهتدى فؤاد شهاب الرئيس الى اسم القاضي، وهو المحامي فؤاد بطرس، فاتصل به مدير عام الرئاسة الاستاذ الياس سركيس، واتفق معه على اللقاء في مقهى يقع في منطقة فرن الشباك، وبما انهما لا يعرفان بعضهما، جرى الاهتداء الى بعضهما من خلال تحديد لباس كل منهما. 

وبعد اللقاء في آخر السهرة، أخبر الاستاذ الياس سركيس، المحامي فؤاد بطرس، بأن ينتظر هاتفاً من القصر الجمهوري، لأن لقاء سيجمعه برئيس الجمهورية فؤاد شهاب ورئيس الحكومة رشيد كرامي. 

وهكذا ركب فؤاد بطرس وزيراً للتربية الوطنية والتصميم العام. 

وقد ضم الى الوزارة الرباعية السادة فيليب تقلا وزيرا للعدلية والاقتصاد الوطني وموريس زوين وزيراً للشؤون الاجتماعية والبريد والبرق والهاتف، وفؤاد نجار وزيراً للزراعة، وعلي بزي وزيراً للداخلية والانباء. 

كان ثمة سؤال يشغل بال فؤاد بطرس: لماذا لم يعين وزيراً للخارجية في عهد فؤاد شهاب؟ 

قبل غياب أول رئيس للجمهورية بعد ثوة اللاغالب ولا مغلوب باعتبار ان هذا الشعار للرئيس صائب سلام، وان هناك، وربما هو منهم، كان يعتبر الحكومة الأولى في عهد فؤاد شهاب، برئاسة رشيد كرامي، حكومة غالب ومغلوب وانتصاراً للقوى المؤيدة ل التيار الناصري باعتبار ان جمال عبد الناصر كان رئيساً لمصر وسوريا في آن واحد. 

وكان جواب الرئيس شهاب، أنه أعجب بالوزير بطرس، منذ التقاه في المحكمة العسكرية مع وزير الدفاع الأمير مجيد ارسلان، لكن وزير الخارجية ينبغي له أن يعين في معظم الحقائب الوزارية، قبل أن ترسو عليه وزارة الخارجية والمغتربين. 

كان الظرف الذي جاء فيه فؤاد شهاب الى الحكم، ظرفاً استثنائياً، لأن لبنان كان خارجاً من ثورة شعبية، وصراع عنيف بين المؤيدين لعبد الناصر ولسوريا وبين دعاة الاستقلال عن الناصرية، كما كانوا دعاة الاستقلال عن فرنسا بزعامة الشيخ بيار الجميل والعميد ريمون اده وشقيقه الوزير بيار اده، والد الاستاذ كارلوس اده. 

الوضع في لبنان، بعد ثورة العام ١٩٥٨ كان يتطلب فرض القانون على اللبنانيين جميعاً، وهذا ما نجح فيه العميد ريمون اده، وكان اعدام التكميل شعاراً سياسياً مع انه كان مبادرة شجاعة لاستئصال الجريمة من الداخل والخارج. 

هل هذا هو الحافز الآن الى فرض الدولة، على الدويلة والمبادرة النافذة،الى استئصال الخروج على القانون في بعض المناطق اللبنانية، وجر القوى السياسية الى احترام الدستور، بعد تغييب القانون عن البلاد؟ 

انه السؤال الاساسي الذي يطرحه المراقبون، ويتوقعون الجواب عليه من معظم الافرقاء السياسيين. 

تفجيرات باريس 

هل لبنان مقبل على تغييرات جذرية أم على مراوحة؟ 

بادر المرشح السابق للرئاسة الأميركية، أصدقاءه قبل ساعات من تفجيرات باريس الارهابية، ان العالم يقف امام استحقاق صعب اسمه الحرية. 

وأردف ادغار مورغان: لا يستطيع الأميركيون شن الحرب على منظمة داعش وتدميرها، من خلال تحولها الى دولة بوليسية، عسكرية، بل بتكريس الديمقراطية وتعميق معنى الحرية. 

وتساءل ادغار مورغان امام نخبة من كتّاب صحيفة لوموند الفرنسية: ماذا نفعل لنخوض حرباً فعّالة ضد داعش؟ 

وتابع: الجواب بسيط. علينا التفوق في تحقيق الحرية والسلام في الشرق الأوسط. ومن اجل الانتصار في الحرب التي يشنها الداعشيون على فرنسا، يجب تحقيق السلام في سوريا. ان الانتصار في الحرب على داعش لن يتحقق فقط من خلال احلال السلام في سوريا، بل من خلال تحقيقه في ضواحي باريس ايضا. 

راح المفكرون في الغرب والشرق، يفكرون في مصير الناس، القابعين في زوايا التاريخ، بعد سقوط ١٥٢ شهيداً في تفجيرات باريس، واعلان الرئيس الفرنسي هولاند، حالة الطوارئ، في الدولة الاوروبية، وبعد وقت غير بعيد عن التفجير الداعشي في برج البراجنة، بعدما أمعنت التنظيمات التكفيرية في نشر الارهاب في لبنان، من بيروت، امتداداً الى الشمال والجنوب، ووصولاً الى البقاع وعكار، مما جعل الرئيس اللبناني السابق للجمهورية الشيخ امين الجميل يقول في امستردام، خلال محاضرة له ان المشكلة تكمن في تنامي الجماعات التكفيرية التي تعصف دماراً في منطقة الشرق الأوسط والتي تقود الحرب على التعددية السياسية وعلى الحضارة الانسانية. 

ولفت الرئيس الجميل الى أن اللبنانيين هم يمثلون الدولة العربية الوحيدة التي تم تأسيسها على مبدأ الشراكة بين الطوائف كلها والمناطق كافة. 

وقال الرئيس الجميل انه اذا ما نجحت هذه المعادلة في لبنان ومناطق أخرى، خصوصاً في تونس، فيمكن بالتالي تطبيقها في حالات ما بعد النزاع، في دول غربية اخرى بما فيها سوريا. 

وشدد الرئيس الجميل، على ان رفض التعددية هو المشكلة، ولا أحد يعرف لماذا اختارت داعش الحرب على التنوع والتعدد، ربما لأن الاثنين هما الطريقان الى الحرية. 

كانت ارادة التنوع تطوف في آفاق الأزمة، وفي رحاب التفاؤل، لكن الشعور بالانتصار على المحنة، هو السائد في معظم المراحل، الا ان المؤامرة على العالم هي الطاغية. 

الا ان رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي النائب اسعد حردان كان يؤكد اننا نخاف على لبنان، لأنه يتخبط في ازمة، ولا يدري كيف يخرج منها، معرباً عن ثقته بأن شعبنا الذي خبر جرائم هذا الارهاب سينتصر في النهاية. 

وأوضح النائب حردان ان خطر الارهاب هو الوجه الآخر للخطر الصهيوني على لبنان،و وهو لا يستثني منطقة أو حزباً، ومسؤوليتنا جميعاً، ان ننخرط في مواجهته. وهذه اللحظة في رأي الرئيس القومي يجب ان تكون لحظة تلاقٍ وتكاتف، تعزيزاً لوحدتنا الوطنية وتحصيناً لبلدنا، وتفعيلاً لمؤسساته الدستورية والامنية. 

وهذا ما جعل الوزير السابق والنائب الحالي اسعد حردان يندد بمن حاول بعضهم تشويه سمعته، وهو النظيف الصيت، وسليل بيت مشهود له بديبلوماسيته العربية وفكره السياسي، وهو القريب من الرئيس سعد الحريري وغير البعيد عن الفكر السياسي المعاصر ابان مراحل دقيقة من تاريخ لبنان، قديمه وحديثه وحاضره. 

وهذا ما جعل الفكر التسووي يسود ويقول نائب الامين العام لحزب الله نعيم قاسم ان التسوية التاريخية التي طرحها الامين العام لحزب الله حسن نصرالله ضرورية وتتسم بالايجابية. 

كانت الحلقة الحوارية التي اقامها الرئيس نبيه بري في عين التينة فرصة نادرة للتلاقي بين الرئيس العماد ميشال عون وبعض نجوم تيار المستقبل لرسم معالم المرحلة المقبلة، وبغية التمديد ل لبننة الحل السياسي في لبنان وهذا ما جعل العلاقات بين الرئيسين بري وعون في حالة من الانصهار والترميم، بعد اهتزاز نشأ في الحقبة الأخيرة. 

والحقيقة ان ثمة نقطة لا تزال غامضة المصير، بين الرئيس العماد عون والدكتور سمير جعجع، ولا سيما بعد كلام يتسم بالسلبية، نشأ بين رئيس حزب القوات اللبنانية والقوى المستقلة في الجانب المسيحي، وهذا ما جعل الانظار تتجه الى الاستاذ جان عبيد، في الميزان السياسي، لدى البحث عن مرشح معتدل وقيادي، ويحظى باحترام القوى المستقلة في ٨ و١٤ آذار والحياديين المستقلين الذين يجدون في وزير الخارجية اللبنانية السابق، والنائب السابق عن دير القمر وطرابلس، مخزن صفات ديبلوماسية وسياسية، وعمل في عصر الكبار خصوصاً في ايام الرئيس الشهيد رفيق الحريري والقيادي الارثوذكسي عصام فارس الذي اسندت اليه اكثر من مرة نيابة رئاسة مجلس الوزراء. 

والرجلان الكبيران في قيادة أعمال الخير، وتقديم المساعدات الاجتماعية والعلمية، يفتقدهما لبنان هذه الأيام. وإذا كان رفيق الحريري قد استشهد فإن الرئيس عصام فارس مطلوب، وفي كل لحظة ووقت، ليعود الى لبنان، نظراً للحاجة الملحة الى مبادراته الإنسانية خصوصاً وانه زرع المناطق النائية بالفروع الجامعية، وأقام في معظم المناطق دور علم ومدارس، بغية صقل المواهب والمعارف. 

ومن الرئيس الشهيد رفيق الحريري، الى عصام فارس تبقى معالم المستقبل، رهناً باستعادة المبادرات لأن جفافها، نكبة اجتماعية وحضارية. 

ولمناسبة انعقاد جلسة الحوار الأخيرة، في عين التينة، والبدء بدرس موضوع إنشاء قانون انتخابي جديد، بمبادرة أساسية من الرئيس بري، فإن ذلك يعزز من فرص الإطلالة السياسية للإستاذ جان عبيد على موقع رئاسة الجمهورية، خصوصاً وان عصام فارس غادر لبنان قبل سنوات، امتعاضاً منه للإستمرار في قانون انتخابي تخطاه الزمان، وتجاوزه منطق الحداثة والعصر. 

ولعل المبادرة الى قانون انتخابي عصري جديد يجمع بين النظامين الأكثري والنسبي تجعل الرئيس عصام فارس يعود عن قراره بالابتعاد عن لبنان، وعن المساهمة في تجديد الطبقة السياسية، اذا ما ظلّ شخصياً بعيداً عن الوطن الذي أحبّه وأنعم عليه بسخاء العديد من دور العلم والفروع الجامعية. 

وهذا ما يوفّر للأستاذ جان عبيد، المناخات المؤاتية، لخوض الانتخابات الرئاسية بكفاية وجدارة، خصوصا بعدما جفّت المواهب الرئاسية في البلاد، عند الكثير من أصحاب الطموحات. 

إلاّ أن عاصفة الارهاب التي ضربت فرنسا، وحصدت في يوم واحد الأسبوع الفائت ١٥٢ شهيداً، وقرابة مائة وخمسين جريحاً، جعل الفرنسيين يقولون بصوت واحد، ان وطن شارل ديغول وفرنسوا ميتران، ينادي العالم، ان يتّحد الرؤساء، باراك أوباما وفلاديمير بوتين وكاميرون، يتحدون الآن بمواجهة الارهاب، كما اتحد قبل نصف قرن لينين وستالين مع ونستون تشرشل وروزفلت لمواجهة العدوان الهتلري، خصوصا وان بوتين أسقط له الارهاب طائرة ركاب أقلعت من شرم الشيخ وفجّرت فوق البحر، وهو الآن يخوض معركة عاتية مع الارهاب. 

يوم الجمعة الواقع فيه ١٣ الجاري، بدأت المعلومات تتسرّب عن المؤامرة الدولية عن الارهاب . 

ونشرت الأهرام القاهرية ان جمهورية مصر العربية تتعرّض ل عدوان ثلاثي جديد كتبه أستاذ التاريخ الدكتور جمال شقرة في جامعة عين شمس أثناء الحقبة الناصرية وشاركت فيه الى جانب اسرائيل في العام ١٩٥٦ كل من بريطانيا وفرنسا. أما أركان العدوان الجديد فهي الحرب الارهابية الساعية الى تفكيك البنية الاجتماعية ليتم تفتيت الشرق الأوسط الى دويلات صغيرة. 

في مؤتمر نظمته جامعة جورج واشنطن أواخر الشهر الماضي، أكد مدير الاستخبارات الفرنسية برنار باجوليه ان الحروب في سوريا والعراق تنذر بتغيير في خريطة المنطقة، وان الشرق الأوسط الحالي انتهى الى غير رجعة، من دون ان يستبعد استقرار المنطقة في المستقبل، لكنها في مطلق الأحوال ستكون مختلفة عن تلك التي رسمت بعد الحرب العالمية الثانية. 

ويقول الأميركي جون بريتان ان العراق وسوريا لن يستعيدا حدودهما الحالية، ويقول انه عندما ينظر الى الدمار في سوريا والعراق وليبيا واليمن يصعب عليه ان يتخيّل وجود حكومة مركزية في كل من هذه الدول، قادرة على ممارسة سيطرة او سلطة على الحدود التي رسمت بعد الحرب العالمية الثانية. وفي إطار أعمال ندوة مستقبل التغيير في الوطن العربي، عقدها مركز دراسات الوحدة العربية والمعهد السويدي في الإسكندرية ما بين ٩ و١٢ تشرين الثاني الحالي، كان لافتاً ما ادلى به بيتر ودورد مدير المعهد السويدي، عن ان منطقة الشرق الأوسط تعاني من نزاعات هي الأكبر منذ الحروب الصليبية. 

وترسم حدود المنطقة العربية في قلب الشرق الأوسط القديم والجديد حروب الإستنزاف المشفوعة بخريطة الطوائف والهويات المتناحرة. 

يوم الأربعاء الفائت، تسربت معلومات، تفيد بأن تسوية دولية للحرب السورية قد أنجزت، وهي تقوم على ثمانية اشهر من الحوار بين الفريق الموالي للنظام السوري، والفريق المناوئ له، إلا أن هذه التسوية مضمونة من روسيا والولايات المتحدة وبريطانيا، من دون حسم مستقبل الرئيس السوري بشار الأسد، هل هو مرشح لمغادرة النظام السوري، أم هو في موقع غامض، ومن هي القوى المعارضة التي ستشارك في الحوار الذي يرجح ان تقوده الأمم المتحدة. وسط هذه الغابة الكثيفة من القوى السياسية، خصوصا بعد مغادرة قرابة ثلاثة ملايين من الشعب السوري لأراضيه الى كل من لبنان والأردن وتركيا والدول الأوروبية. 

وفي معلومات العناصر المحايدة على الصعيد السوري، فان التوجهات السائدة، ان لا حلّ لمسألة رئاسة الجمهورية، قبل انجاز تسوية شاملة تضمن عودة الاستقرار الى سوريا. 

إلاّ أن المشكلة اللبنانية تزداد حراجة وصعوبة، بسبب أزمة النفايات وصعوبة مرور أي حلّ، في ضوء ما يحيط بهذه الأزمة من عقد وصعوبات، والعجز الحكومي عن الإتيان بتدابير مقبولة في معظم المناطق بين أزمة المطامر وأزمة الترحيل. 

ويقول وزير الزراعة أكرم شهيب ان الترحيل الى الخارج يواجه أزمات ومصاعب، وليس أفضل الحلول، وان كان أصعبها، نظراً لحراجة الدول المعنية بهذا الأمر، لأن لبنان مغلوب على أمره، وليس حراً في قبول تسويات مكلفة أكثر من سواها. 

وهذا كله يعود الى حراجة الأوضاع الحكومية، لأن الرئيس تمام سلام، لا يفرّط بوحدة حكومته، إلاّ اذا ضمن موافقة ٢٤ وزيراً، هم أعضاء الحكومة الراهنة، على الحضور الى جلسة وزارية لا تنسف الوجود الوزاري. 

وبعد الجلسة الحوارية التي دعا اليها الرئيس بري، هذه المرة في مكتبه وتناول الحاضرون، وفي مقدمتهم أركان تيار المستقبل والرئيس العماد ميشال عون، اتخذت قرارات هادئة، بالاعداد لمشروع قانون انتخابي جديد يجمع بين النظامين الأكثري والنسبي، من الآن وحتى نهاية السنة، ما يضمّد الجراح الانتخابية عند الجميع، لأن ثمة إجماعاً على انجاز مثل هذا القانون مع بداية العام الجديد، وإلاّ فان الرهان على بطولات انتخابية، أمر ليس وارداً حتى الآن. 

وفي رأي تيار المستقبل، ان مبادرة السيد سعد الحريري والأمين العام لحزب الله باقرار تسوية شاملة أمر مقبول ومرحب به من الجميع، لأن غياب الحل المطروح هو كارثة على الجميع، ولو على طاولة حوار. 

هل سبق أن نشبت في البلاد أزمات مشابهة. 

يجيب العميد انطوان بركات على السؤال بقوله ان لبنان تعرّض لمثل هذه الواقعات عند نشوب أزمة الفياضية في أثناء وجود قوات الردع العربية ذات الأكثرية السورية، بقيادة اللواء سامي الخطيب، قبل تعيينه لاحقاً وزيراً للداخلية اللبنانية للاشراف على الانتخابات النيابية، وفقاً للارادة السورية. 

وقد نشبت يومئذ خلال خمس دقائق أزمة صعبة كادت ان تطيح بالعلاقات اللبنانية – السورية، عندما نشب القتال بين الجيشين، حيث دارت معارك ضارية، طرأ خلالها مواجهات حادّة. 

يومئذ، كان الوضع لصالح الجيش اللبناني، الى أن صدرت الأوامر داعية الى وقف القتال، والعودة الى الصفوف الهادئة، والرجوع الى منطق التعقل. 

حاول المدعي العام العسكري، وغيره من الموجودين في مركز العمليات المؤقت، معالجة الموقف، وقال العميد زكّا متسائلا: هل بامكاننا مقاتلة الجيش السوري؟، فأجبته كما أجبت غيره من المشكّكين: ليعمل كل منّا عمله. 

راحت القنابل والقذائف تتساقط كالمطر، وتنفجر في كل ناحية من أنحاء الثكنة، كنّا في وسط جحيم من النيران المسلّطة علينا من مختلف الأسلحة الخفيفة والثقيلة، ومن مختلف المراكز القريبة والبعيدة. كلما ازداد التصلّب وازدادت ضراوة القتال واشتدّ القصف خصوصا وان الهاتف كان تحت رقابتهم. ومن حين الى آخر كان أحد العناصر يأتي ليهمس في ان صاروحاً سقط هنا أو هناك، أو يفيد بأن أحد قادة قطاعات المدافعة دمر دبابة للسوريين، وقائد آخر ان مدفع ١٠٦ ملم أو مربض رشاش قد أصيب مباشرة. 

كان المواطنون في قلق وخوف شديدين لئلا تنهار الثكنة، أو تدمّر وتسقط في أيدي السوريين!… كان الجنود يسيطرون على أعصابهم ببسالة من دون الالتفات الى أي اعتبار سوى القيام بالواجب العسكري. كل من كان حاضرا في الثكنة يشهد على قوة المعنويات، وكان الجميع يستأسد في الدفاع، وبخاصة بعد ما قام به بعض المراكز خلال المواجهة بشكل مثالي، وازداد التقاط أجهزتنا اللاسلكية، التي كانت مكلّفة التنصت على أجهزتهم، أصوات صراخهم ورفضهم أوامر الاقتحام، لوقوع الكثير من الضحايا في صفوفهم، وتدميرنا مدرعاتهم وآلياتهم. 

بعد انقضاء ساعة تقريبا اتصل قائد الجيش مجدداً ليطلب من الجنود القبول بوقف النار، نوقف اطلاق النار لمدة ساعتين فقط كي نعطيهم الفرصة والوقت لمغادرة الثكنة. 

واتصل العماد قائد الجيش وقال ان رئيس الجمهورية الأستاذ الياس سركيس يؤيد وقف النار فوراً، وبعد ساعتين ينسحب السوريون. 

تمّ وقف اطلاق النار بشكل متدرج، ومرّت الساعتان ولم ينسحب من القوات السورية المتمركزة فوق التلّة سوى ثلاث مدرعات أخذت مراكز جديدة خلف التلة. 

عقب اعلان وقف اطلاق النار، خفّت كثيرا حدّة الاشتباكات، كما خفّت حدّة التوتر. وعلى الرغم من ذلك ظلّ بعض الرشقات يسمع من وقت الى آخر، حتى حلول الليل. في ذلك الوقت، كانت عائلات الضباط ما تزال محتجزة في مساكنها ومعها ثلاثة ضباط: اثنان منهم محتجزان بمعرفة القوات السورية، هما الرائد لويس الخوري والملازم الأول موريس محفوظ والثالث هو الرائد سعيد أبو عرب الذي بقي في منزله من دون علمها. 

وسرعان ما تذكّر الجميع مهزلة اتفاقات وقف اطلاق النار في حرب السنتين. تلك الاتفاقات التي لم تحترم أبداً، انما كانت وسيلة يلجأ اليها كل فريق مراوغة، ليعيد النظر في خططه وتدعيم استحكاماته وتموينها. ويقول ضابط لبناني بارز حسبنا ان تصرفات السوريين قد تكون كتصرفات الفلسطينيين، لذلك لم ننم على حرير التطمينات، انما عمدنا، في سبيل الدفاع الوقائي، الى انشاء طوق حول تلّة الفيّاضية أنجز حوالى الساعة الحادية عشرة ليلاً وبسرّية تامة. وما يدعو الي الاعتداد هو انضباطية عناصر الجيش، وسرعة استجابتهم للأوامر، والحفاظ على السرية، حتى ان الكثيرين من العسكريين داخل الثكنة وخارجها، لم يعلموا بأمر الطوق إلاّ بعد أيام. 

ويقول اللواء بركات ان العميد زكّا والمدعي العام جرمانوس أدركا السيطرة على الموقف من الجيش اللبناني ويضيف: لقد نشطت الاتصالات ومحاولات التهدئة في ٨ شباط ١٩٧٨، وأذكر خصوصا الاتصال بي من مكتب رئيس الجمهورية وكان المتكلم الرئيس سليمان فرنجيه قبل ان يغادر لبنان الى سوريا كموفد شخصي للرئيس سركيس، ومعه وزير الخارجية والدفاع فؤاد بطرس، ليطلع مني على الوضع المتفجّر، قلت له: لا يمكن انهاء الوضع إلاّ بمحاكمة عادلة، وبخاصة ان المدعي العام العسكري نجا بأعجوبة، فلماذا لا نقدم على ما كان يطبّق في الحرب العالمية الثانية بين الجيوش الحليفة حيث كانت تحال على محكمة خاصة مشتركة من الجيشين كل أنواع المخالفات. أضف الى ذلك أننا في وضع جيّد، وثكنة الفياضية قلعة لا تسقط، واكتفينا بالمدافعة وعدم إذيتهم أكثر. كان الرئيس فرنجيه متفهماً ومتعاطفاً. من ناحيته أصرّ الرئيس الياس سركيس على اجراء المحاكمة في لبنان، رافضاً تسليم الضباط اللبنانيين الى الجانب السوري. 

لم يكن هذا الموقف مستغرباً من الرئيس سركيس، ويأتي نابعاً من تفكيره المؤسساتي والتزامه الشرعية الدستورية، وحرصه على الكرامة الوطنية. وقد شعرت دائما انه قوة تساندني في الملمات والأوقات الصعبة. 

في المرحلة الأخيرة من التحقيق كان قد طلب منّي أن أدوّن ما قلته. وقد ذيّلت تقريري بالملاحظة التالية: ان جميع الأوامر التي صدرت عنّي أو التي سمعتها، أو عملت بها هي انضباطية وعسكرية. واذا كان هنالك من خلل غير ظاهر، فعلى هيئة التحقيق أو الشعبة الثانية أن تظهره. 

وطلبت الملازم أحمد جارودي ليأخذ منّي الأوراق، فقال لي: اسمح لي حضرة العقيد ان أعبّر لك عن رأيي: بمجيئك الى التحقيق خفّ عشرين بالمئة من حدّة المسألة، وبعد الاستماع اليك انتهى تسعون بالمئة منها، فآمل بأن يكون هذا بداية نهوض دولة وبناء جيش كما قلت أنت. 

عدت الى الثكنة لأطمئن بحضوري العسكريين الذين كانوا في حالة غليان، فاجتمعت بالضباط، وأطلعتهم على ما جرى فشعروا بالارتياح. 

استدعيت مرة ثانية للمثول أمام المحكمة الأمنية الخاصة التي شكلت بموجب قانون أقرّ في مجلس النواب، واتخذت من مبنى المحكمة العسكرية مقراً لها، فكررت إفادتي التي أدليت بها أمام هيئة التحقيق. 

وبعد ثلاثة أيام استدعيت مجددا، ولكن هذه المرة لأقسم اليمين كشاهد، لا كمتّهم، بناء على القرار الذي أصدرته المحكمة بتبرئتي