IMLebanon

الإرهاب سيكرّر محاولاته رغم ما تعرّض له منافذ أربعة إلى الداخل دونها صعوبات كبرى

أكثر من أي وقت مضى تقيم القوى المناهضة للارهاب التكفيري وفي مقدمها “حزب الله” على اعتقاد فحواه أن طريق التنظيمات الارهابية الى عمق الداخل اللبناني ليست ممهدة أمامها اطلاقا على النحو الذي كانت تشتهيه وتراهن عليه.

على رغم ان هذه التنظيمات نجحت في بسط تأثيرات هذا الارهاب على توازنات الداخل اللبناني ومعادلاته مما رفع منسوب التناقضات ومستوى المخاوف والهواجس، وذلك من خلال أحداث عرسال ومن خلال هجمات جرود بريتال واستطرادا من خلال أجواء التهويل والترهيب، فإن الارهاب التكفيري عموما ايقن، وفق هذه القوى، بفعل المحاولات المتكررة منذ ما ينوف على الشهر ان ثمة روادع وحدوداً من شأنها أن تحول دون ان يتمدد ويتقدم على غرار ما فعله سابقاً في الساحتين العراقية والسورية وبسرعة قياسية.

هذا لا يعني إطلاقاً أن هذه التنظيمات الارهابية قد بلغت مرحلة صرف النظر عن تحقيق أطماعها في لبنان، بل إن القوى عينها تضع في رأس قائمة حساباتها أن “داعش” و”النصرة” سيكرران خلال الساعات والأيام المقبلة تجاربهما.

في عرسال وفي جرود السلسلة الشرقية عموما، هما مضطران الى سلوك هذا المسلك الوعر بغية الحيلولة دون إبقاء ما لا يقل عن 5000 مقاتل (وفق غالب التقديرات) محاصرين في جرود القلمون والسلسلة الشرقية في شتاء تعد بشائره بموسم صقيع قاسٍ جداً مما سيزيد رداءة وضع هؤلاء ويجعلهم أمام احتمالات ثلاث: إما المزيد من الهجمات اليائسة لفكفكة حلقات الحصار المضروب عليهم من كل الجهات، وإما الاستسلام أو الموت جوعا ودنقاً.

لم يعد خافياً أن القوى التي أخذت على عاتقها مواجهة ارهاب هذه التنظيمات وجبه أطماعه قد درست كل الاحتمالات واتخذت ما تعتبره كل الاحتياطات اللازمة، توصلت الى استنتاج فحواه أن الأبواب موصدة أمام هؤلاء الارهابيين وأن فرص اعادتهم عجلة الأمور الى ما كانت عليه قبل معارك عرسال الأولى، أي الى وقت كانوا يجدون في هذه البلدة كل ما يحتاجون اليه، تكاد تكون معدومة تماماً وبالتالي فهم أمام خيارات مرة وبالغة الصعوبة.

عندما درست القوى المناهضة للارهاب كل السبل التي يمكنه أن يسلكها للعبور الى الداخل اللبناني، وجدت أن أمامه 4 طرق فقط هي:

– إما النفاذ عبر عرسال انطلاقا من جرودها المتصلة بجرود القلمون السورية.

– إما التلاعب بجبهة جرود بريتال ويونين ونحلة وسواها.

– أو التسلل عبر معبر شبعا في العرقوب وصولا الى حاصبيا وراشيا والبقاع الغربي.

– أو منفذ طرابلس والشمال عموما.

في المعبر الأول تكفلت، كما هو معروف، وحدات الجيش اللبناني بأمر المواجهة المباشرة مع مهمة أخرى أساسية سابقة هي مهمة رصد وملاحقة مجموعات وخلايا الارهاب المتسللة الى الداخل أو المقيمة بين ظهراني مخيمات النازحين السوريين وأماكن تجمعاتهم على امتداد الجغرافيا اللبنانية، وهو أبلى بلاء حسناً، حتى إن التقديرات المتوافرة تشير الى أن مخابرات الجيش أوقفت منذ اشتعال فتيل الأحداث في سوريا ما لا يقل عن 500عنصر تخريبي وعطّلت عشرات عمليات التخريب والتهريب. وقد صار معلوماً أن الجيش تلقى ضربة معنوية في معارك عرسال الأولى لكنه نجح لاحقاً في استيعابها وامتصاص تداعياتها، ونجح أيضاً في أمور ثلاثة: الأول في الصمود أمام هجمة الارهاب بعد أسره لجنوده، والثاني استكمال قطع خطوط التواصل والمعابر بين عرسال وجرودها فضيّق الخناق الى اقصى الحدود على الارهابيين المتحصنين في الجرود الوعرة. والثالث التحضير ميدانياً ولوجستياً لجولات مواجهات جديدة محتملة في الساعات والأيام المقبلة.

وفي المعبر الثاني أعدّ “حزب الله” العدة منذ زمن وهو وإن تلقّى ضربة في موقعة عين الساعة في جرود بريتال، إلا أنه ما لبث أن نجح في تجاوزها عبر هجمات مرتدة وعبر ملء نقاط الضعف والفراغ الى درجة أن أوساط مقرّبة من الحزب أفادت أنها تتوقّع بين ساعة واخرى ان يعاود المسلحون هجماتهم.

أما المعبر الثالث فإن حسابات القوى عينها تقوم على أساس أن ثمة نقاط قوة ونقاط ضعف. أما نقاط القوة فتتركز على قناعتين اثنتين: الأولى أن شبعا وقرى العرقوب عموماً ليست عرسال، فأهلها لن يسمحوا بجعل قراهم ملاذاً أو ممراً آمناً للإرهابيين القادمين من الجزء السوري من جبل الشيخ، والثانية أن الطرق بين شبعا وصولاً الى البقاع الغربي ليست ممهدة أمام عبور المسلحين لأن قاطنيها قد أعدّوا للمواجهة عدّتها الكاملة، فهم تسلّحوا ونظّموا دوريات حراسة ليلية ونهارية رغم أن ثمة معلومات سرت أخيراً في المنطقة تقول ان النائب وليد جنبلاط دعا انصاره ومحازبيه في لقاءاته المقفلة معهم الى اتباع سياسة النأي بالنفس عن الصراعات الحاصلة أو المحتملة.

أما نقطة الضعف التي ما زال الجيش و”حزب الله” وقوى أخرى معنية يتوقفون عندها ملياً فهي تتجسد في مخيمات اللاجئين المنتشرة في المنطقة. والخوف يتأتى من إمكان أن تتحول هذه المخيمات في لحظة ما معسكرات أو ملاذاً بغية قلب المعادلات على الأرض، خصوصاً أن التقديرات تتحدث عما لا يقل عن 250 ألف نازح، فضلاً عن أن ثمة قوى محلية متعاطفة مع المعارضة السورية أشرفت من الأصل على بناء هذه المخيمات ورعت عملية الاسكان فيها واستحضار نازحين إليها من مناطق أخرى.

أما المدخل الرابع فهو مدخل الشمال، ولم يعد خافياً أن استنتاجات تراكمت خلال الساعات القليلة الماضية عند أطراف مراقبة فحواها انه تم صرف النظر ولو آنياً عن اعتماد هذا المدخل وقد عزّزت هذه الفرضية التسوية المفاجئة التي أفضت الى سحب المطلوبين شادي المولوي وأسامة منصور من واجهة التداول الاعلامي، وذلك انطلاقا من اعتبارات وحسابات عدة أبرزها أن إقامة إمارة تأتمر بأوامر خارجية أمر ليس بالسهل حمايته أو تغطيته أو تشريعه من أي جهة، فضلاً عن أن الجيش وجّه إنذارات جادة الى المعنيين مفادها أنه لن يقبل اطلاقا بتمرير الأمر، إضافة الى أن عواصم وجهات خارجية حذّرت من المضي قدماً في مثل هذه المغامرة وأبلغت من يعنيهم الأمر أنها لن تتساهل بهذا الشأن. وبالاجمال يبدو جلياً أن الجميع الآن هم في مرحلة إعادة درس الحسابات والأوراق.