لماذا كان هناك تفهّم عربي لموقف لبنان في اجتماع الوزراء العرب، ألأنه بلد مريض، واقع تحت الترهيب، مغلوب على أمره، ولا حول له ولا قوة، أم لأن موقفه لا يقدّم ولا يؤخّر؟ كل الاحتمالات صحيحة، بما فيها أن نمط وزراء الخارجية منذ الانقسام بين 8 و14 أصبح عبئاً إن لم يكن عاراً على البلد. والنكتة السمجة أنه يراد ايهام الناس بأن جبران باسيل “أنقذ لبنان” من فتنة فيما هو يمثّل دور”البطل القومي” الايراني. أما في داخل رأسه فكان دوره أضأل من ذلك بكثير، اذ خاض عدم التصويت على بيان الجامعة كما لو أنه يثأر لعمّه الجنرال الذي يعتقد أنه لولا معارضة السعودية ترشيحه لكان اليوم رئيساً.
وفي سبيل شرح الموقف، نظرياً، قال باسيل: “حضَرنا لنُعربَ عن تضامننا مع السعودية بعد الاعتداءات التي تعرّضَت لها بعثتُها الديبلوماسية والقنصلية في إيران”. أما في شرحه عملياً فيتبنّى الرواية الايرانية القائلة بأن الاعتداءات حصلت “خارج إرادة السلطات المعنية”، ولذلك لجأ الى “توجّهات الحكومة باعتماد سياسة الامتناع والنأي بالنفس”، وهي الحكومة نفسها التي لم يوفّر مناسبة للتقليل من اعتبارها. غير أن الامتناع والنأي ناسباه هذه المرّة، تحديداً لأنه اصطدم باسم “حزب الله” وقد رُبط بالارهاب في البحرين بناءً على اعترافات متورّطين معتقلين إسوة بمعتقلين آخرين في الكويت والسعودية. كانت حجّة باسيل أن لـ “حزب الله” وزراء في الحكومة اللبنانية، وكانت هذه الحجّة لتكون “قوية” لو أن هذا “الحزب” يلتزم أيضاً “توجّهات الحكومة بالامتناع والنأي بالنفس”، لكنه يريد أن يشارك في تجويع السوريين وقتلهم، وفي تعويق ادخال الاغاثة الى مضايا كما فعل يوم الاثنين، وفي هندسة حروب الحوثيين، وفي تصنيع ميليشيات في العراق واخرى في دول الخليج… وإذا وُصف بالارهاب يستهجن ويذكّر متهميه بأنه “حزب المقاومة”!
المشترَك بين العراقي ابرهيم الجعفري واللبناني جبران باسيل أنهما جاءا من ولايتين في “الامبراطورية الفارسية”، ولديهما “اعتبارات داخلية” تنبغي مراعاتها. أما الفارق بينهما فهو أن الأول، وهو من قياديي “حزب الدعوة”، استطاع خلال اجتماع الجامعة العربية تغليب مصلحة دولته حتى قيل إنه “خذل” ايران وهو بالتأكيد لم يخذلها، فيما غلّب الثاني مصلحة حزب حليف على مصلحة الدولة وأظهر حكومته أعجز من أن تتضامن مع السعودية التي برهنت دائماً أنها نصيرة للبنان الدولة والجيش، وأقدر على التضامن مع اساءات يرتكبها “حزب الله” خارج لبنان وكأن اساءاته في الداخل لا تكفيه. ثم ماذا عن الارهاب، اذا اختُزِل بالشحن المذهبي وتخريب الدول وقطع الرؤوس، فإن “حزب الله” يفي بكل الشروط. ألا يشكّل منع انتخاب رئيس للجمهورية قطعاً لرأس الدولة؟